الدربُ الذي لم يُطرق
![فوزي كريم](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1498033753948674500/1498033754000/1280x960.jpg)
عادةً ما تنطوي صورةُ مُفترقِ الطرقِ على معنى الحيرةِ بين حريةِ الاختيار لدى الإنسان وبين القدرِ الذي لا خيار فيه: نحن أحرار في أن نختار بين طريقين، ولكننا لا نعرف عن يقين أيهما الأصلح، مسارُ حياتنا وليد اختيارٍ ومصادفة، ولا سبيل إلى الفصل بين هذين.إن المُتحدثَ في القصيدة، في شيخوختِه وحدها، يشعرُ بحاجةِ الاستدارةِ إلى حياتِه الماضية، وإعطاءِ أهميةٍ لخياره.في مقاطعِ القصيدة الثلاثةِ الأولى، لم يُبد المُتحدثُ ندماً ولا إحساساً بقيمة قراراته، ولكنه يحاول في شيخوخته أن يعطي قيمةً للنظام لماضيه، إن الحجةَ في اختيار "الطريق الذي لمْ يوطأ كثيراً" زائفة، ولكن المتحدثَ يظلُّ متشبثاً بقراره، لا بسبب الطريق الذي اختاره فقط، بل لأن عليه أن يختار بالدرجة الأولى.إن حسرةَ الكائن عبر العصور ليستْ بسبب القراراتِ الخطأ التي اتخذها، بل بسبب لحظاتِ الاختيار المحيرة ذاتها، تلك اللحظات التي يحدّدُ تراكمُها على بعضٍ مسارَ حياته، إنها الدافعُ الأساس لمشاعر الندم.الدربُ الذي لم يُطرقدربان افترقا في غابٍ أصفرَ اللون،ولأني وحدي المسافرُ ليَشقَّ عليّأن أعجزَ عن قطعِهماً معاً، فوقفتُ طويلاًأتتّبعُ أحدَهما قدْرَالمستطاعإلى أنْ تلاشى بين الشجرِ المتشابك.وبقدْرٍ من الاعتدال تتبعتُ الآخر، علّني أقع على الخيارِ الأصوبخاصةً وقد كان مُعشباً... وموطوءاً بكثرةعلى الرغم من أن كثرةَ العابرينقد وطئت الدربينِ بالمقدارِ ذاته.وكلاهما ذلك الصباح امتدا بتساوٍبأوراقٍ لم تُحِلها سوداءَ وطأةُ الأقدام.ياللحسرةِ، أني أبقيتُ الأولَ لفرصة أخرى!وبعد معرفتي كيفَ تقودُ الطرقُ إلى بعضٍشككتُ بضرورةِالعودةِ ثانيةً.سوف أروي هذه الحكايةَ مُفْعمةً بالحسرةفي مكانٍ ما آخرَ لأزمانٍ مُتتالية:دربان افترقا في غابٍ، وأناأخذت الطريق الذي لم يوطأ كثيراً،وفي هذا يكمن الفرق كله.