التعصب الثقافي
ما حدث في الأيام الماضية والضجة والضجيج الذي صاحب القائمة الطويلة لجائزة البوكر بحاجة إلى شيء من الهدوء والبحث في أسبابه التي أدت إلى نتائجه، لا نتائجه. في كل مرة تخرج هذه القائمة تصاحبها هذه الضجة كأنها أقرب إلى مباريات كرة القدم في البطولات العربية، وأبعد ما تكون عن الثقافة الحقيقية. ما أناقشه هنا هو هذه الحالة المريضة التي كرستها الثقافة التاريخية للقبيلة، والتي تعتمد على شاعرها ليمثلها في الذود عنها وتمثيلها في السلم والحرب.يحدث ذلك في السباقات الرياضية التي يخوضها الرياضيون تحت أعلام بلادهم، ولا يكترث الجمهور عادة إلا بالفريق الذي يمثله بغض النظر عن سوء أدائه مقارنة بغيره من الفرق الأخرى. في الوقت التى يخوض فيها الفريق مبارياته مع الفرق الأخرى، على جميع من ينتمون إلى هذا العلم أن يقدموا كل ولائهم لفريقهم، والذي يشذ عن ذلك ويرى الأمور بعين مختلفة يتحول إلى حاقد وربما إلى عميل وعديم الولاء.
أما أن يحدث ذلك في منافسة أدبية لكتاب يتحدثون ذات اللغة، ويعملون على المساهمة في الارتقاء بالعمل الثقافي الجمعي للوطن العربي واللغة العربية، وإيجاد دور ثقافي حقيقي لأمة متهمة بالبعد عن القراءة والمساهمة العلمية والثقافية في العالم، أن يحدث ذلك الصراع تحت التعصب للعلم الذي ينتمي اليه هذا الكاتب أو ذاك، فإنه يعكس حالة التردي لثقافة محتضرة لا حالة الانبعاث لثقافة حية تحاول النهوض. كل الأصوات التي تعالت في الأيام السابقة كانت تبحث عن علمها القبلي الذي تراجع أمام بقية الأعلام، فالسعودي لم ير من يمثله كأنه فشل في التأهل للدور التالي، والجزائري يبحث في أسباب غيابه عن هذا المونديال الثقافي. لم ينظر أحد الى الرواية الأدبية التي غابت مثلا عن التأهل ويتفق عليها الجميع بغض النظر عن جنسية صاحبها ولون علم بلاده. لم يقدم أحد من النقاد أو القراء إلا التبريكات والتهاني لأبناء بلده، فمصر تريد العودة بالجائزة عن طريق ممثليها دون أن يتطرق جمهورها إلى إمكانية استحقاق ممثليها أو الاعتراف بأحقية سواهم، وفلسطين تطلبها لتسجل اسمها كفائز، سواء كانت روايتها أفضل أو أسوأ من سواها، لا يبدو أن أحداً يهتم لذلك، وهكذا هم البقية بلا استثناء.أما في الكويت فاشتعلت أزمة على وسائل التواصل الاجتماعي بخروج ممثلها من المناسبة لأسباب إدارية كشفتها صحيفة كويتية لا عربية. والذي ينظر إلى الأمر بإيجابية يرى أن المهنية طغت على التعصب، ومن ينظر إلى الأمر بالذهنية القبلية ير أن الولاء القبلي كان معدوماً، وحرم الكويت من نصيبها في الفوز. وأيضاً لم يناقش أحد إذا ما كان العمل يستحق أم لا بغض النظر عن جنسية صاحبه.العمل الروائي بصيغته الفردية نتاج ذاتي لصاحبه يقابله تلقي القارئ بتنوع ثقافته، فيقبله قارئ ويرفضه آخر بعيداً عن جنسية الروائي أو وطن القارئ. والأعمال الروائية بصيغتها الجمعية هي ثقافة أم واحدة، بغض النظر عن عدد الروائيين وجنسياتهم في هذا العمل الجمعي.