وقعت ثورة الشيخ بشير بن سالم الحارثي ضد الألمان في عهد السلطان خليفة بن سعيد البوسعيدي في زنجبار، وتقول بعض المراجع إن "زنجبار" كلمة عربية محرفة أصلها "زنج" و"برّ" أي "برّ الزنج" وتتكون من جزيرتين كبيرتين هما "زنجبار" و"بمبا"، إضافة إلى سبع وعشرين جزيرة صغيرة على بعد 35 كيلو متراً مقابل "تنجانيقا".

Ad

وتسمى "زنجبار" بستان إفريقيا الشرقية، حيث يبلغ طولها 85 كيلو متراً وعرضها نحو 40 كم، وتتميز الجزيرة بأرضها الحجرية التي تصلح للزراعة الخاصة، وفيها نحو مليون شجرة قرنفل، ويقطعها نهر كبير يسمى "مويرا"، وقد بقي فيها البرتغاليون قرابة قرنين منذ عام 1503.

وقام العمانيون بطردهم منها في عهد السلطان سعيد بن سلطان، بعد أن حاربهم ابتداء من عام 1650 الإمام سلطان بن سيف الأول، ونجح الأسطول العماني عام 1696 في تدمير الحاميات البرتغالية الموجودة في "بمبا".

ازدهرت الحياة الاقتصادية في "زنجبار" في عهد السلطان سعيد، وقد طور النظام الزراعي باستزراع القرنفل كما انفتح المجال للتجار القادمين من شبه القارة الهندية، وذلك بمساعدة السلطان سعيد الذي جعلهم يستوطنون الجزيرة، وبعد وفاة السلطان سعيد تنازع ولداه "ثويني" و"ماجد" على وراثة الحكم، مما حدا بتقسيم عمان وزنجبار إلى سلطنتين، فقوّى ماجد سلطته من خلال تجارة الرقيق بشرق إفريقيا، أما خليفته برغش بن سعيد فقد ساعد على إلغاء تجارة الرق في زنجبار وطور البنية التحتية للبلد.

وقد تولى حكم زنجبار خليفة بن سعيد البوسعيدي عام 1888 وذلك بعد وفاة أخيه برغش، وقد وقع على معاهدة مع شركة شرق إفريقيا الألمانية فمنح السلطان بمقتضاها للشركة Deutsch Ostafrica Gesellschaft "الحق في تحصيل الرسوم الجمركية والضرائب على طول ساحل تنجانيقا في 1888 مقابل مئتي ألف جنيه إسترليني، رسم تأجير لنصف قرن، مما مكن الألمان من التحكم في طرق التجارة مع زنجبار، واستلم 11 ألف جنيه إسترليني من شركة شرق إفريقيا البريطانية مقابل ممباسا والأجزاء الشمالية من الساحل الإفريقي الخاضع لحكمه، وحصلت في دولته ثورة الشيخ بشير بن سالم الحارثي ضد الألمان".

(عن موقع: https:/om77.net/forums/thread/404492).

ويشرح د. بنيان تركي أسباب الثورة التي أطلق عليها الألمان تسمية "التمرد العربي"، ويقول إن الشيخ "الحارثي"، كان ومنذ زمن منافسا للأسرة البوسعيدية الحاكمة في زنجبار العربية، لكن المراجع لم تحدد نوع المنافسة وماهيتها.

ويرجح د. تركي أن يكون سبب استياء الشيخ بشير هو تساهل السلطات مع الإرساليات التنصيرية، إذ كان "البشير" يقول الباحث "شيخ دين لا شيخ قبيلة".

وكانت شركة شرق إفريقيا الألمانية من ناحية أخرى "قد ارتكبت العديد من الأخطاء؛ مما أثار حنق سكان المناطق، ولعل من أهم تلك الأخطاء إلزام الأهالي بدفع رسوم جمركية باهظة على صادراتهم لم تكن موحودة في السابق.

كما قامت إدارة الشركة بإدخال نظم تجارية وقوانين جديدة لم يألفها السكان لهذا عمّ عدم الرضا، ويكمن السبب في أن إدارة الشركة حرمتهم مما كانوا يحصلون عليه من فوائد من القوافل المارة بمناطقهم، كما خسر التجار العرب والهنود أموالا طائلة كانوا يجنونها بسبب علاقاتهم التجارية، وكونهم وسيطا بين الساحل والداخل فلا عجب في تشجيعهم للثورة ضد الوجود الألماني وهم الذين يخشون منافسة التجار الأوروبيين لهم".

وكان لمنع تجارة الرق علاقة مباشرة بالثورة، إذ كان "هناك تخوف من قبل بعض أصحاب المصالح من التجار والإقطاعيين العرب والهنود والأفارقة من تبني ألمانيا لسياسة محاربة الرق وتجارته، حيث يعني ذلك خسارتهم لليد العاملة في الإقطاعيات الزراعية، وكانت تجارة الرقيق تعد من الأنشطة التجارية المربحة للعديد من الأطراف في شرق إفريقيا، وموردا اقتصاديا مهما لا تقتصر ممارستها بيعا وشراء على الأفارقة والعرب وإنما الهنود والأوروبيين".

ويدرج الباحث ضمن أسباب التمرد فتور علاقة الحكام والإداريين الألمان بالمحكومين العرب والأفارقة حيث لجأ الألمان إلى إحلال موظفين ألمان بدلا منهم، ولم يبذل الألمان كذلك جهدا يذكر للاحتكاك بالسكان المحليين والتجاوب مع حاجاتهم.

قام الألمان بإنزال العلم السلطاني من فوق دار الوالي رغم احتجاجه على هذا التصرف، ورفعوا العلم الخاص بمستعمرة شرق إفريقيا الألمانية، رغم أن الاتفاق كان ينص على رفع علم السلطان، فكان لهذا أثره في احتجاج رجال السلطة العرب وفي غضب السلطان.

ونتيجة لذلك يقول الباحث "ثار سكان المنطقة بمختلف عناصرهم وفئاتهم الذين نظروا لما قام به الألمان باعتباره تدخلا مباشرا وعملا سافرا من دولة غربية وغريبة عن المنطقة، وبصورة لم يعهدوها من قبل".

استفاد الشيخ بشير الحارثي من حالة الاحتقان على الألمان، وبدأت ثورته في أغسطس 1888 من مزارع العمل الإجباري، وتكوّن جيش كبير قام باستدعاء الشيخ بشير الحارثي و"انضم إليهم جيش عظيم من عرب وبلوش وسواحلية".

طالب الحارثي الألمان بالخروج فورا من المنطقة، والحد من نشاط التبشير، واتجه الثائرون جنوبا فهاجموا مقر الشركة الألمانية، وأرسل الألمان سفينة حربية حاول بحارتها النزول في "تانغا"، ولم ينجحوا إلا بعد أن قصفوا المدينة بالمدفعية الحربية، وحاول الإنكليز إقناع السلطان خليفة بضرورة التدخل شخصيا لإنهاء ثورة الشيخ بشير ومن معه، كما استقدم الألمان من جانبهم على عجل أسطولهم البحري، إلا أن السلطان خليفة كان راغبا في نجاح الثورة "نكاية بالإدارة البريطانية"، حيث كانت علاقته غير جيدة مع القنصل البريطاني وكارها للوجود البريطاني وغير مرحب بالوجود الألماني، وكانت بريطانيا على علم بحقيقة عواطف السلطان، ولكنها كانت تهدف إلى منعه من مساندة الثورة، والواقع أن السلطان لم تكن لديه قوات نظامية وإنما قوة بقيادة الجنرال البريطاني ماثيوس قائد القوة السلطانية، ولهذا يقول د. تركي كان الحرص البريطاني على إنهاء الثورة كي لا تمتد إلى مناطق النفوذ البريطانية، وهكذا ترسخت قناعة الجنرال ماثيوس بعد تطور الأحداث بأن أنجع وسلة لتحقيق السيطرة على الوضع هي تفكيك ثورة الشيخ بشير الحارثي من الداخل بمقابلة بعض قادة الثوار والتفاهم معهم وتحييدهم، وتشكل وفد لمقابلة السيد خليفة الذي حاول أن يوضح لهم التطورات الجديدة والاتفاقيات التي وقعها مع الألمان، والتي تعطيهم الحق في إدارة المنطقة، وأن عليهم القبول بالوضع الجديد.

ولم يعجب الوفد رد السيد خليفة ولا تبريراته "فعاد إلى الساحل أكثر غضبا واستياء من السابق، حيث أصبحوا أكثر قناعة بأن السيد خليفة لم يعد له حول ولا قوة، ونشط الثوار في كل من الشمال والجنوب، كما قُتل مسؤولان ألمانيان وأحد عشر من السكان المحليين الذين كانوا بخدمتهم، وفي المقابل قتل من الثوار واحد وعشرون شخصا، وقام عدد من شيوخ القبائل الساحلية بإرسال خطابات للسيد خليفة تحذره من التعاون مع الألمان وإعانة الشركة على استعادة نفوذها، وكان التهديد شديد اللهجة مهددين بالخروج عن طاعته.