اليوم العالمي للشعر الذي أعلنته منظمة اليونسكو عام 1999، ليكون يوم 21 مارس/آذار من كل عام، يهدف فيما يهدف إلى التأكيد على أن الشعر كان ولا يزال، وسيبقى نديم الإنسان الأحب والأصدق، وأن بعض القلائد الشعرية ستبقى زاهية على صدر الحياة، مهما يَطُل بها الزمن.

Ad

الشعر العربي في العقود الأخيرة خبا وهدأ، لأسباب تتعلق به كجنس أدبي، وأخرى ترتبط بمنعطفات الساحة العربية السياسية والثقافية والاجتماعية، حتى إن البعض شعر به خجِلاً مُنكسِراً يلملمُ حاجياته ويبتعد متوارياً عن ساحة هجمت عليها واحتلتها آليات وجنود الرواية، وسارع وتسابق الكتّاب ودور النشر والقراء والجرائد والمجلات ومعارض الكتب والمترجمون والمؤسسات الثقافية والدول إلى رفع الرايات ترحيباً بقدومها، وانعقدت الأفراح والليالي الملاح بجوائز مجنونة انطلقت من كل مكان ترحب وتؤيد وتُعلي من شأن الرواية والروائيين.

الشعرُ ذاك الأجمل، ترك الضجة والضجيج، وراح يتهادى بثقته وجماله، مردداً:

أنا الشعرُ أنا لونُ الحياة، أنا الشعرُ أنا روح الإنسان.

سوّدت الرواية العربية بحبرها آلاف آلاف الأوراق، وانعقدت حولها مئات مئات الندوات، ووزعت على شرف كتابها مئات الجوائز، وتُرجمت عشرات الروايات إلى اللغات الأجنبية. وقيل إن الرواية سحرت الجميع، وإن أحداً لن يسلم من غواية سحرها. لكنه الشعر ظل في بستانه وسط الورود وتغريد الطيور، ينظر إلى الجميع ولسان حاله يقول، كما المثل الكويتي الشعبي؛ "اللي ما له أول ما له تالي".

الجميع حتى اللحظة يهرول خلف الرواية، الجميع ممسوس بوسع عالمها وإغراء سواحلها، وبقدرتها الساحرة على أن تلبس ثياباً جديدة ومتجددة، وأن تقدم حياةً توازي حياة الواقع، وتتفوق عليه بقدرتها على تحدي وكسر قوانين الواقع الإنساني المعيش، الذي يعجز الإنسان عن كسره في الحقيقة.

 الرواية رأس حربة المجتمعات، عن طريقها يقاوم الإنسان وجع الحياة، وبها يستطيع العيش متأرجحاً على عارضة اليوم الشاهقة. لكنه الشعر ذالك المتغطرس، ذاك المملوء ثقة بنفسه، ذاك الذي ينطق بجملة تدبجها الرواية بمئة صفحة، ظل على الدوام هناك، يدندن لحنه:

أنا الشعرُ، أنا إشراقة الحياة، وماؤها العذب... أنا الشعرُ مرهم أرواح العشاق والمعذبين.

طوال العقود الماضية والرواية ترفل في ثيابها الزاهية، تراقص اللحظة محمولة على بساط النشوة. طوال العقود الماضية وأنوار الرواية تخطف الألباب. طوال العقود الماضية ومساحيق الرواية تلون وجوه الساحات الإبداعية والثقافية. طوال العقود الماضية وأسماء وصور وجوائز الروائيين ترسم صفحات الجرائد والمجلات وبرامج التلفزيون. طوال العقود الماضية والرواية الرواية، ولا شيء سوى الرواية. لكنه الشعر ذاك البهي، ماءٌ يروي عطش الروح. ذاك المتوحد، الذي لا يقبل بغير البهاء، ظل هناك في بستان خلوته كأجمل وأحرق ما يكون شوق المحب، وكأطيب ما يكون عطر الوردة في قبلته لقطرة ندى. طوال العقود الماضية ظل الشعر هادئاً هناك يردد:

أنا الشعرُ، أنا روح العربي ولسانه وخطوه. أنا الشعرُ، عُلقت على أستار الكعبة يوم كان الشاعر هو القبيلة والفخر والافتخار، وأنا هنا، سأعود، لا لشيء إلا لأن الحياة لا تستقيم دون شعر وقصيدة.

لستُ منجماً، ولا أحب التحدي الأعمى، لكنني كاتب قصة، وكاتب رواية، وعاشق شعر. ومن هنا، من زاويتي الصغيرة هذه أقول: الشعرُ قادم. لست منجّماً، لكني أقول: تخمة الرواية عالمياً وعربياً صارت فاضحة، لذا، ومن زاويتي الصغيرة هذه أؤكد؛ سيستعيد الشعر العربي حضوره البهي بيننا كأجمل ما يكون، وأن عشرة أعوام سِراع كفيلة بأن يعود للقصيدة العربية صوتها ببحتها المثيرة. وثانية ستنعقد الأمسيات، وستنطلق الجوائز، وسنسمع الشعر الذي طالما اشتاقت أرواحنا إليه، ولحظتها سيطوق عطر الشعر المنعش أرواحنا، وسيهمس بنا:

أنا الشعرُ أنا لونُ الحياة، أنا الشعرُ أنا روح الإنسان.