كيف أسمع وأنا «نايم»؟
![طالب الرفاعي](/theme_aljarida/images/authorDefault.png)
إن حبس مرامي الأغنية في حالة عشق بعينها، سيسجنها في حيز ضيق. لكن الأعم هو أننا كبشر حين ننغمس أو نغرق في بحر حالة وجدانية أو عملية، فإن تلك الحالة تأخذنا لشواطئها، حتى أننا نعمى عن رؤية سواها. ما أكثر ما تحدث أحدنا إلى شخص دون أن يسمعه. ليس لأنه نائم، فهذه هي الحالة الأسهل والأكثر تبريراً، لكن الحالة الأصعب بمن يسمع ولا يستمع، بمن يتابعك ولا يتابعك، وبمن تخصّه بنبض قلبك وهو عن كلمات قلبك لاه.كيف بك تسمع من هو نائم؟ وكيف بك تتفاهم مع شخص غائب في فكره وعشقه ووجده، وهو لا يكاد يعي ما يدور من حوله. وليس العشق هنا محددا بالإنسان، بل بعشق كل ما يمكن أن يُعشق في الحياة. عشق أي من حاجيات وشؤون الحياة المادية يأخذ صاحبه بعيداً، ليغرق في اهتمامه، ويصبح أبعد ما يكون عن السمع والاستماع. يعيش الإنسان عصراً راكضاً بمعطياته الفكرية والتقنية، وهو بقدر اقترابه واندماجه بهذه المعطيات يدفع من وقته وعمره، ويمدّ جسوراً نحو الآخر بقصد البوح إليه وإسماعه. وليس الاستماع هنا عبر الصوت بل عبر الكلمة. فكلنا يكتب كلمته متمنياً أن يقرأها ويستمع الآخر إليها، لكن هي سمة العصر ربما، فما أكثر أولئك الذين لا يستمعون إلا لأصوات أرواحهم."غلط يا ناس تصحوني وأنا نايم، تقولوا لي تعال اسمع وكيف أسمع وأنا نايم؟"، مؤكد أن الشاعر ما قصد النوم الجسدي، فهذا أسهل أنوع النوم، والاستيقاظ منه قد لا يكلف إلا هزة صغيرة. لكن النوم في فكرة، النوم في مصلحة خاصة، النوم في قناعة ما، وأخيراً النوم في بحر أمل ما، هذه النومات، نومات الفكر والقناعة والإصرار على السير في درب ما، هي التي يصعب الاستيقاظ منها، فصاحبها منصرف عن الاستماع، يشعر بأن الآخر مخطئ بالتحدث إليه.الكثير من أبناء الشعوب العربية، شباب وشيب، بات ماشياً في دروب العنف الأعمى والموت، وهو في سيره يصرّ على عدم الاستماع للآخر وتأمل الحقيقة. يسير ممتلئاً بأفكاره، مغلقاً سمع قلبه ووعيه عن أي نصيحة أو انتباه لنبض اللحظة الإنسانية العابرة. وهو في سيره يمثّل حالة فيصل علوي المطرب الذي يردد: "غلط يا ناس تصحوني وأنا نايم!".كثيرون منا نيام بقناعات قد تكون خاطئة، وليس أجمل من الاستيقاظ والاستماع لنصيحة المخلصين.