وسط اتهامات لجهاز الشرطة، بالعودة إلى ممارسات قمعية ميَّزت السنوات الختامية لحكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، وأدت إلى تفجر ثورة "25 يناير 2011"، التي أنهت نظامه، شيع المئات من أهالي القاهرة القديمة أمس مواطنا مصريا قتل بإصابة مباشرة في الرأس، على يد أمين شرطة، وسط القاهرة مساء أمس الأول، ما أدى إلى تجمهر المئات من أهالي حي "الدرب الأحمر" الشعبي، الذي ينتمي إليه القتيل، أمام مديرية أمن القاهرة، وحاصروها لعدة ساعات، وسط هتافات معادية للداخلية، في مشهد كرس تأزم العلاقة بين الشرطة والشعب في مصر.

Ad

وزارة الداخلية قدمت روايتها عن الحادث في بيان رسمي، قالت فيه إن مشاجرة وقعت بين رقيب شرطة من قوة النقل والمواصلات، ومواطن، بسبب خلاف على قيمة تحميل بضاعة على سيارة الثاني، تجمع على إثرها أنصار الطرف الثاني، ما دعا رقيب الشرطة إلى إطلاق عيار ناري من سلاح عهدته أصابت الطرف الثاني، وتُوفي متأثراً بإصابته، فيما تعدى أنصار المجني عليه على رقيب الشرطة بالضرب، ما أسفر عن إصابته بعدة كسور وجروح في أجزاء متفرقة من الجسم ونزيف داخلي، وتم نقله إلى المستشفى والتحفظ عليه، وإخطار النيابة العامة لبدء التحقيق في الواقعة.

شهود عيان قدموا رواية مختلفة حول مقتل المواطن محمد عادل إسماعيل الشهير بـ"دربكة"، إذ أكدوا لـ"الجريدة"، أن سبب الاشتباك بين القتيل وأمين الشرطة، امتناع الأخير عن دفع أجرة التوصيل، ما أدى لاشتباكه لفظيا مع السائق، قبل أن يطلق النار من سلاحه الميري على رأس المجني عليه، فأرداه قتيلا في الحال، وعلى الفور تجمع أصدقاء وأقارب القتيل الذي يقطن حي "الدرب الأحمر" الشعبي والقريب من مديرية أمن القاهرة، أمام مقر المديرية وحاصروا المبنى لساعات ورددوا هتافات ضد الشرطة.

تعديلات تشريعية

الرئيس عبدالفتاح السيسي دخل على خط الأزمة سريعاً، عبر اجتماعه بوزير الداخلية مجدي عبدالغفار، فور وصوله إلى مدينة شرم الشيخ، أمس، استعدادا لافتتاح أعمال منتدى "إفريقيا 2016"، الذي تنظمه مصر بالتعاون مع منظمة الكوميسا بمنتجع شرم الشيخ، اليوم.

وصرح المتحدث باسم الرئاسة المصرية، علاء يوسف، بأن وزير الداخلية اطلع الرئيس السيسي "على آخر مستجدات الأوضاع على صعيد الأوضاع الأمنية الداخلية في البلاد، ولاسيما في أعقاب بعض الأحداث الأخيرة".

وأضاف يوسف أن الرئيس طالب بمواجهة بعض التصرفات غير المسؤولة لعدد من أفراد جهاز الشرطة بالقانون، لوقفها بشكل رادع ومحاسبة مرتكبيها، حتى لو اقتضى الأمر إدخال بعض التعديلات التشريعية، أو سن قوانين جديدة، بما يضمن محاسبة كل من يتجاوز في حق المواطنين، مؤكدا أن السلطات الممنوحة لبعض أعضاء الجهات الأمنية تعني في المقام الأول تمكينهم من الحفاظ على أرواح وممتلكات ومصالح المواطنين.

وفيما وجَّه السيسي بعرض هذه التعديلات التشريعية على مجلس النواب خلال 15 يوما لمناقشتها، كشف مصدر رفيع المستوى لــ"الجريدة"، أنه من المتوقع التصديق خلال الأيام المقبلة، على قرار بعودة المحاكمات العسكرية لأمناء الشرطة مرة أخرى، بعد إلغائها عقب ثورة "25 يناير"، وأن ذلك جاء بناء على توصيات من جهات سيادية وأمنية، أكدت زيادة معدلات تجاوزات الأمناء خلال الفترة الماضية، مؤكدا أنه جار دراسة ملفات أمناء الشرطة، لاستبعاد من يثبت تورطه في أي قضايا تتعلق بالسرقة أو الاعتداء على المواطنين.

إعادة هيكلة    

واقعة قتيل الدرب الأحمر فجَّرت موجة من الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي، احتجاجا على اعتداءات أمناء الشرطة، إذ وصل هاشتاغ "الدرب الأحمر"، إلى قائمة الأكثر تداولا على "تويتر"، وخاصة أنها تأتي في سياق حوادث مشابهة، كان أبرزها الاعتداء على أطباء داخل مشفى المطرية الشهر الماضي، إذ ينظم الأطباء وقفات احتجاجية بجميع المستشفيات الحكومية على مستوى الجمهورية تحت شعار "وقفات الكرامة" اليوم، احتجاجا على عدم محاسبة أمناء الشرطة.

مدير مركز "ابن خلدون" للدراسات الإنمائية، سعد الدين إبراهيم، طالب بإلغاء فئة أمناء الشرطة تدريجياً، وإغلاق معهد أمناء الشرطة، وإحالتهم للتقاعد، قائلاً لـ"الجريدة": "هم ليسوا ضباطا ولا عساكر، يجب إعادة هيكلة وزارة الداخلية، لأن صورتها في الشارع سلبية". فيما اعتبر الحقوقي محمد زارع، أن تكرار حوادث الاعتداء على المواطنين يؤكد أن هناك شبه تواطؤ من الدولة لإطلاق يد الداخلية في مواجهة الشعب، بحجة القضاء على الإرهاب.

برلمانياً، يحسم مجلس النواب المصري في جلسته العامة غدا، استقالة النائب المعين المستشار سري صيام، ليتم البت فيها بشكل نهائي، من حيث قبولها أو رفضها، والذي تقدم باستقالته منذ حوالي أسبوعين، ويسعى بعض نواب البرلمان إلى بذل جهود حثيثة، لإقناع صيام بالرجوع عن استقالته، فيما قالت مصادر مطلعة إن صيام يفكر جديا في سحب استقالته، وخاصة بعد مشاركته في جلسة إلقاء الرئيس عبدالفتاح السيسي لخطابه أمام المجلس الماضي.

وقال صيام في نص استقالته المقدم للمجلس إنه تعرض لـ"تقليص فرصه في أداء مهامه في زوايا التشريع، وإنه تم إغفال اختياره ضمن الخبراء الموكل إليهم وضع لائحة داخلية جديدة منظمة للعمل داخل البرلمان"، واصفا تعيين الرئيس السيسي له بـ"شرف ينزل في نفسه أسمى منزلة"، وأشار إلى أن الظروف لا تشجعه على الاستمرار.