في موروثنا الإسلامي والعربي هناك العديد من الأمثلة والحكم التي ترتبط بالحيوانات، أجلكم الله، وبالطبع هذا ليس حكرا علينا كعرب ومسلمين إنما حضارات العالم زاخرة بالكثير من هذه الأمور لعل أبرزها السنوات في الصين، فهي تتنقل بين القرد والخروف والكلب والخنزير وغيرها من الحيوانات. في التراث الغربي رواية جورج أوريل "مزرعة الحيوانات" هي من أكثر الروايات مبيعا حول العالم، وترجمت للعديد من اللغات ومن ضمن شخصياتها "الحمار" الذي كان صديقا للحصان المتردد الشكاك.
عند أهل الخليج مثل شعبي معروف "ما يموت بمربطه إلا الحمار"، وهو كناية عن عدم تطور الشخص، فالحيوانات إذا جاعت هامت على وجهها تبحث عما تسدّ به جوعها كي لا تموت، ما عدا الحمار فهو يبقى في مكانه يأمل أن تنزل عليه أطنان الطعام والجت والشعير من غير أن يتحرك، وما يؤلم أن الحمار بتصرفه هذا يشعر أن ذلك من الوفاء!معرفتي بهذا المثل من خلال حديث أحدهم لي عن جده، إذ روى لي "هاجر جد جدي من بلدته في نجد إلى بلدة أخرى يطلب الرزق، حيث قلّ في قريته ولم يعد يجد ما يسد به جوع أهله ومن يعول، وسمع بوجود فرص للعمل في مكان آخر، فهاجر طالبا للرزق وفتح الله عليه، وبدأ يرسل زكاته لأهل قريته، وبعد سنوات زار قريته والتقى بأهله فيها، فهشوا وبشوا لمقدمه وفرحوا بزيارته إلا قريب له كان حانقاً مقطب الحاجبين مكفهر الوجه، فلما سأله عن السبب قال: أنت تركتنا وذهبت ونحن كنا أوفياء للمكان الذي نعيش فيه"، فكان جواب الجد "ما يموت بمربطه إلا الحمار".المغزى من ذكر هذه القصة أن من لا يجد تطورا في ذاته فعليه أن يراجع حياته، فليس عيبا أن تطور آراءك أو تغيرها حتى، فأنت طالب علم في هذه الدنيا، وقد تسمع نصيحة أو تقرأ كتبا، وربما عشت تجربة أثرت فيك وجعلتك تشاهد الحياة من زاوية مختلفة، فالإنسان يعيش بين جناحي العلم والتجربة، فالجامد على رأيه المدافع عن تراث آبائه وأجدادهم لمجرد ولادته في هذه البيئة هو في الحقيقة يعاقب نفسه، إذ يفقد الدهشة، وهو والله من متع هذه الدنيا.أن تتغير لا يعني أبدا أن تبدل أفكارك وعاداتك وتقاليدك، لكن تكون عندك القابلية لتبديلها متى ما اقتنعت أو وجدت دليلا على أن فعلك خطأ، فمن آفات مجتمعاتنا أننا نقلد بعاطفة، ونحاول أن نحافظ على ما نحن فيه لأننا فيه! بالطبع لا أدعو بتاتاً للتقليد الأعمى بحجة التجربة والتطور، إنما أدعو لعدم رفض الجديد بحجة المحافظة، فالعاقل ينزل على الدليل ويحكمه البرهان ويسعد برؤية الحقيقة.تغيروا تصحوا وغادروا واقعكم عن طريق الخيال وكونوا فوق الموقف ولا تكونوا فيه، اتركوا لأنفسكم مساحة من الدهشة ولا ترفضوا الجديد بحجة الغزو الفكري، لا تفعلوا الشيء ذاته ألف مرة وتتوقعوا نتائج مختلفة، وأخيرا فكروا ولا تكونوا كصاحبنا الذي مكث في القرية وبرر لنفسه الجلوس أنه من الوفاء حتى تشابه مع الحمار الذي مات في مربطه!شوارد:سقط الحمار من السفينة في الدجى فبكى الرفاق لفقده وترحمواحتى إذا طـلـع النـهـار أتت به نحو الســفينة موجة تتقدمقـالــت خذوه كما أتاني سـالما لم أبتلـعـه لأنـه لا يهضمتنسب الأبيات إلى أحمد شوقي.
مقالات
ترانيم أعرابي: الحمار يموت في مربطه!
23-02-2016