موجة ثانية من هيكلة الديون المصرفية لاستحقاقات النصف الأول
شركات فتحت قنوات تفاوض مصرفي لطلب ترحيل مواعيد السداد على أساس تعاقدات جديدة
يملك العديد من الشركات التي بدأت المفاوضات ومشاورات التأجيل الكثير من المبررات التي وضعتها أمام البنوك، لضمان التأجيل والتمديد لفترة إضافية، مع الالتزام بسداد خدمة الدين.
كشفت مصادر مصرفية مطلعة لـ"الجريدة" أن موجة جديدة من هيكلة الديون وتمديد الآجال بدأت تطل برأسها مصرفياً، إذ إن بوادر الأداء الاقتصادي عالمياً وإقليمياً ومحلياً لا تبدو مشجعة على التزام الشركات في الوفاء بما عليها من استحقاقات تبدو تباعاً اعتباراً من الربع الأول للعام الحالي، وكذلك الربع الذي يليه.وأفادت المصادر بأن هناك شركات فعلياً فتحت قنوات اتصال وتشاور، وبعضها دخل في مفاوضات مبكرة لبدء الموجة الثانية من المعالجة مبكراً، وقبل الدخول في أي تعثرات أو توقف عن السداد من شأنه أن يخل بالتزامات الشركة تجاه الجهات الدائنة. وفي المقابل تبدي البنوك تفهماً كبيراً وتعاوناً أكبر، خصوصاً أن الظروف الاقتصادية جاءت بما لا تشتهي السفن من بداية العام الحالي، ويكفي فقط التوقف أمام حجم خسائر الأسواق المالية عالمياً، التي تجاوزت 3.2 تريليونات دولار في نحو أسبوعين، لتقيس حجم المأساة التي جاء جزء منها بدافع الهلع، وهي كفيلة باتخاذ إجراءات ربما أقسى على الدائنين مما تم اتخاذها في موجة الأزمة المالية العالمية الأولى التي اندلعت أواخر 2008، سواء من شطب ديون أو تمديد إلى فترات طويلة للمرة الثانية، وربما القبول ببعض الأصول التي يفرضها المدين.واقعياً تستحق بعض المديونيات في العام الحالي شريحة من المدينين من الشركات والأفراد ممن حصلوا مبكراً أواخر 2009 ومنتصف 2010 على فرص معالجة مبكرة، وتم تمديد آجال ديونهم حتى النصف الأول من 2016، وكانت من أوائل العمليات المصرفية التي يعرفها السوق كعلاقة طويلة الأجل لفترة 5 سنوات مع عام أو عامين "سماح"، حيث كانت عمليات التمويل في السابق لا تعرف سوى عام وعامين على أبعد تقدير، حيث كان الرواج في أوج حالاته عقارياً وعلى نطاق السوق المالي، وليس سراً أن 85 في المئة من حالات التمويل كانت توجه للمضاربة في أسواق الأسهم والعقار، وكان عملاء يبادرون بسداد مراكزهم في فترات قياسية وقصيرة وقبل مواعيد الاستحقاق بأجل كبير.مبررات ومؤشراتتملك العديد من الشركات التي بدأت المفاوضات ومشاورات التأجيل الكثير من المبررات التي وضعتها أمام البنوك، لضمان التأجيل والتمديد لفترة إضافية، مع الالتزام بسداد خدمة الدين، ومن أهم تلك المبررات ما يلي:1 - شركات عديدة كانت تحضر نفسها لاستقبال توزيعات مجزية نقدية من جموع الشركات، لاسيما القطاع المصرفي والخدمي والعقاري، وبعض الشركات الصناعية، ومن ثم اعادة استخدامها في سداد المراكز التي تستحق النصف الأول من 2016، إلا أن الواقع الحالي سيربك تلك القرارات.2 - شريحة من الشركات وضعت حصصا من ملكيات متنوعة من اسهم لتسييلها أيضاً على مدار شهرين الى ثلاثة اشهر، وذلك خلال فترة إشاعات الأرباح، ونسب النمو والتوزيعات الممكنة، حيث تبدو الفترة الراهنة الأفضل حركة للسوق من كل عام، نتيجة لزخم الأرباح والتوزيعات والمعلومات الإيجابية، إلا أن عوامل الدفع تلك تتلاشى وتتآكل مع كل موجة انخفاض حادة. 3 – الانهيارات السريعة في أسواق المال حتماً لها تأثيرات سلبية حادة على قيم واسعار الأصول الأخرى، حيث تبدو العلاقة وثيقة بين رواج اسواق الأسهم وقيم الأصول المتنوعة، هذا فضلا عن تلاشي فرص التمويل وعودة البنوك للحذر، وتأجيل البت في أي تمويل لشراء أصول إلى حين انجلاء غبار التحديات والمخاطر التي أطلت برأسها مبكراً.4 - ترتكز جموع الشركات، التي تملك حتى الآن علاقة ايجابية مع البنوك ومراكز تمويل على سجلها الائتماني الملتزم بالسداد وكذلك تدفقاتها النقدية المستقرة، والتزامها طوال السنوات الماضية بسداد خدمة الدين بشكل مستمر، وبالتالي ستجد طريقاً ممهداً في طريق تجاوب البنوك على القبول بموجة جديدة من الهيكلة أو تمديد الآجال لسنوات أخرى تقدرها مصارف بأنها ستتراوح بين 3 إلى 5 سنوات كحد أدنى.5 - من المسلمات البديهية أن مصلحة البنك والمدين مشتركة وواحدة، ولصالح كل من الطرفين التعاون البناء في هذه المرحلة الحرجة مالياً بدوافع خارجية وضغوط لا يملك أي من الطرفين درءها أو إيقافها، خصوصا انها ذات علاقة مباشرة بسلعة النفط الآخذة في الانحدار منذ عام ونصف العام، ومثلت ضغوطا هائلة على كثير من المفاصل الأساسية اقتصادياً.6 - يمكن القول إن البنوك خلال السنوات السبع الماضية على اندلاع الأزمة الأولى تقريبا تخلصت من العملاء المصنفين بأنهم غير منتظمين، أو الانكشاف عليهم يحل مخاطر مضاعفة، وبشتى الطرق والإجراءات سواء قبول البنوك بمنحهم خصومات كبيرة أو القبول بأصول حتى غير مدرجة كان يفسر الرغبة في التخلص من العلاقة معهم، وهو ما يعني ان العملاء المصنفين اعتباراً من بند جيد، وجيد جداً، وممتاز هم المستمرون مع البنوك بدرجات تمويل وانكشاف متباينة، ما يعني انه لا مجال لعودة المخاطر التي خيمت في بداية الأزمة، إذ تبدو أن الإجراءات ستكون في القطاع المصرفي اعتيادية وتُعرف إجراءاتها سلفاً.7 - أخيراً يحسب للبنك المركزي استمرار التحوط وشد الأحزمة طوال المرحلة الماضية، وعدم التهاون بتاتاً في حسم أي مخصصات لازمة، وكذلك قراءته بعيدة الأمد وتوصياته المستمرة في الاجتماعات المصرفية بالحذر والتحوط، وتشديده الدائم على التقييم الدقيق للمخاطر، إذ أثبتت التداعيات الحالية صواب رؤيته وتبرر حذره الدائم، وسيكون حاليا في مصلحة البنوك الوسادات والمصدات التي كونتها توجيهات الجهات الرقابية. سعر الفائدة يمكن البناء على الأحداث المتسارعة اقتصادياً بالقول، إن الفدرالي الأميركي ربما كان متسرعاً في تحريك سعر الفائدة بناء على معطيات ومؤشرات تحسن لم يشأ التأكد من ديمومتها، وتوافر العوامل التي تدفع في تلك الاتجاه، فهل تفتح الأزمة الراهنة والتعثرات الآتية من الصين بقوة هذه المرة واحتمالية تكرار أزمة بنك ليمان برازر الأميركي من الصين، الباب لإعادة النظر في تحريك الفائدة العالمية للخلف مرة اخرى، تحت وطأة الضغوط والتداعيات الحالية.قرار صعب لكن المعالجة هي من تفرض إجراءات أصعب، ربما ذلك لن يكون أصعب من استخدام اموال دافعي الضرائب في حزم التحفيز والمعالجات الاقتصادية.مصادر مصرفية تقول ان بعض الشركات تطلب مراعاة في الفائدة المحتسبة عليها، خصوصا أن الوضع صعب على الجميع، وتمسكا من جانب بعض المصارف بعملائها لاسيما الاستراتيجيين تتم مراعاة الوضع بعمل نسبة وتناسب بين كلفة الأموال على المصارف مع وضع هامش ربح معقول، مع شروط تسمح بالمراجعة مع الوضع العام ومؤشراته. في ظل التباطؤ الاقتصادي الحالي الكلفة فقط لا تبدو عبئا على القطاع الخاص والمقترضين، بل سيتحمل جزءاً من هذا العبء القطاع المصرفي نفسه، وإذا ما تباطأت عمليات التمويل والإقراض فستتكدس السيولة والأموال، وربما يصعب تصريفها في قنوات إقراضية مربحة نسبياً، مع توقعات بأن تعتمد الدولة على السحب من الاحتياطيات العامة لفترة، وذلك قبل اللجوء إلى الاقتراض التجاري من السوق المصرفي.