خصخصة النفط تعني إلغاء التأميم
في الخامس من مارس 1975 غادرت شركتا النفط الأجنبيتان (بريتش بتروليوم وشركة نفط الخليج) حقول النفط وصناعاته في الكويت، وذلك بعد أن تم تأميم النفط بالكامل كي يصبح ملكية عامة تديرها الدولة، والآن بعد أكثر من أربعين عاماً يبدو أن شبكة المصالح الخاصة التي تشمل كبار أصحاب رؤوس الأموال، وكبار البيروقراطيين في جهاز الدولة، وبعض أعضاء المجلس تريد عودة المستثمر الخاص سواء المحلي أو الأجنبي أو الاثنان معاً للصناعات النفطية، وذلك بأشكال وطرق مختلفة "قد لا تكون بيع ملكية لكنها تشبهها وربما تتفوق عليها من ناحية الضرر العام مثلما أوضحنا في المقال السابق"، ومن ضمنها، كما صرّح وزير المالية ووزير النفط بالوكالة السيد أنس الصالح، خصخصة الإدارة أو خصخصة جميع الأنشطة "عدا الإنتاج"، وهذا سيشمل الموانئ النفطية، والتسويق، والتكرير، والناقلات ومصانع البتروكيماويات وغيرها، وهو الأمر الذي يعني، من الناحية العملية وبصرف النظر عن الشكل الذي تأخذه عملية الخصخصة، إلغاء تأميم الصناعات النفطية وإعادة سيطرة الملكية الخاصة عليها من خلال دخولها هذه المرة من الشباك، بعد أن فرضت عليهم الإرادة الشعبية آنذاك الخروج من الباب.أضف إلى ذلك أن إعادة سيطرة الملكية الخاصة على الصناعات النفطية تعني عملياً أيضاً عدم الثقة بالكوادر الوطنية المخلصة والمؤهلة والمدربة، التي تولت بجدارة وكفاءة عالية مهمة إدارة القطاع النفطي منذ التأميم وانسحاب الشركتين الأجنبيتين حتى الآن، وأيضا بعد التحرير وتدمير المُحتل الغاشم للمنشآت النفطية، ثم قيامه قبل اندحاره خائباً يجر أذيال الهزيمة بحرق الآبار النفطية. ناهيك عن أنها ستحرُم الكوادر الشابة وبعضهم من الخريجين من الالتحاق بالقطاع النفطي الذي سيتولي إدارة أنشطته، بعد عملية الخصخصة، شركات خاصة مملوكة لأفراد تسعى ما استطاعت للاستعانة بالعمالة الأجنبية الرخيصة، كما تفعل حالياً في قطاعات كثيرة منها مناقصات النفط، فالهدف الرئيس للقطاع الخاص هو تعظيم الأرباح.
ومما يزيد الطين بلة سيطرة المستثمر الأجنبي على إدارة الصناعات النفطية سواء عن طريق الوكيل المحلي أو مباشرة، إذ إن هناك محاذير كثيرة تتعلق بالسيادة الوطنية، فالمستثمر الأجنبي لا يأتي إلى أي بلد إلا عند التأكد من ضمان الأرباح وديمومتها أولاً، ثم التأكد ثانياً من سهولة عمله في الداخل، وقد بينت تجارب بعض الدول أن المستثمر الأجنبي يتدخل أحياناً، سواء بشكل مباشرة أو غير مباشر، في صياغة القوانين المحلية وفي طريقة تنفيذها مما يعتبر تدخلاً سافراً في السيادة الوطنية. والدول التي تضطر لما يسمونه "جذب" المستثمر الأجنبي تقوم بذلك إما لأسباب مالية لا تنطبق على وضعنا، فلدينا من الثروة الوطنية ما يكفي لمنع دخول الأجنبي، أو من أجل الحصول على تكنولوجيا متطورة وتوظيف المواطنين وتدريبهم، وهذه أمور من الممكن الحصول عليها من دون فتح المجال للمستثمر الأجنبي للسيطرة على إدارة الصناعات النفطية والتحكم فيها.والآن هل تنجح مساعي الحكومة وشبكة المصالح الخاصة في تعديل قانون الخصخصة بحيث يمكن خصخصة النفط بأشكال وطرق مختلفة، أي إلغاء التأميم عملياً، أم أن نقابات عمال النفط والقوى الحيّة في المجتمع سيحولان بينهم وبين تحقيق هذا الهدف؟ الجواب ستبينه الأشهر القليلة القادمة.