خارج السرب: «شرشحة» الكهرباء الجديدة
إن صحت أخبار شرائح الكهرباء الجديدة فأنا مستعد أن أباهل من صاغ الاقتراح في ساحة الصفاة حالفاً بأن قدميه لم تطآ مطلقاً أرض الكويت، وأن جلده وعظامه لم يجربا يوماً لهيب صيفها المجنون وغشمرة شمسها البايخة، بالتأكيد هو من "فايكنغ" السويد أو النرويج، ترعرع هناك وسط الكثبان الثلجية، أو ربما يكون من غال الريف الفرنسي أو ساكسون إنكلترا، وأتخيله وهو يصوغ الاقتراح أثناء احتساء قهوته الصباحية داخل كوخه المبتل خشب صنوبره بمطر البارحة ونسائم الربيع تداعب خدوده الغضة! واذكريني يا أوروبا كلما هب نسناس الصباح!الاقتراح حتماً لا يناسب عاداتنا وتقاليدنا الصحراوية، فواقعياً نحن نمر بفصلين فقط لا فصول أربعة، "سالفة الفصول الأربعة " نكتبها فقط مراعاة "لبرستيج" مناهج التعليم ولمشاعر السياح، أما الحقيقة فتقول إنهما فصلان بالعدد، صيف وشتاء، أما الربيع والخريف فدوامهما عندنا "فلالتي" كما يقال بالعامية، "يدقان الكرت عندنا" أسبوعاً أو أسبوعين، ثم يقضيان باقي السنة يسيحان في أرجاء المعمورة، والصيف باشا بالذات له عندنا حظ "الشتاءين"، صيف لواهيب مخضرم أدب جلودنا فأحسن تأديبها، درجة الحرارة فيه تتجاوز الخمسين درجة، ولشهور طوال، صيف مرعب، الكويتي أمام جبروته "متكيف" أخاك لا بطل، لا يملك عند زحف "كتائب قوايله" إلا التخندق وراء جدران المكيفات والضرب بالمليان ببنادق السيليزيات والفهرنهايتيات، ولولا التكييف ونسائم "كومبريسراته" وعزائم مراوحه لطارت رؤوسنا تحت وقع ضربات سيف الشمس المسنون ولعلقت أجسادنا على أسوار "قلعة القيظ" وجسور أنهار الرطوبة.
بعد كل الحقائق المناخية والموثقة التي ذكرتها سلفاً، كل ما أتمناه من صاحب اقتراح الشرائح - في حال رفض المباهلة- أن يجلب ورقة وقلماً ونحسبها معاً، لو فرضنا أن أسرة تسكن في بيت 400م، اكتفت بمكيف واحد فقط ذي قدرة 18 ألف وات، فبحسبة بسيطة سيستهلك هذا المكيف اليتيم شهرياً 1860 كيلووات شهرياً بما يعادل 60 في المئة من الشريحة الأولى ذات الــ3000 كيلووات. هذا حساب مكيف واحد فقط، وهو حساب بسيط يدل على أن "لواهيب الصيف" هنا ستسلك أسنانها على الريق بالشرائح الأخرى وستدخل المواطن البسيط برجله "اليمين" نحو بوابات الشرائح الأعلى، وسيدفع عشرة أضعاف ما يدفعه حالياً، بمعنى أن الدعوى إن صحت وأقرت ستكون خراب ميزانيات بيوت ورواتب مستنزفة على الآخر!أخيراً، كل ما أرجوه من صاحب اقتراح الشرائح – في حال لم يباهل أو يحسب أو يتعوذ من إبليس - هو أن "يدق تذكرته" ويزور الكويت ويمضي فيها عاماً كاملاً يستمتع معنا بلواهيب الصيف وفعاليات القيظ ويُصوَّر "سيلفي" مع برج الساعة في شهر يوليو، ثم بعدها إن شاء ليتناول قلمه ويكتب شرائحه و"ليشرشحنا" فيها كما يشاء!