اعتبرت عملية إربد الأخيرة أخطر ما تعرض له الأردن من عمل إرهابي في تاريخه الحديث والقديم، فتنظيم "داعش" ومعه من يقفون وراءه كان يريد خلق فوضى وارتباك في هذه المدينة المتاخمة للحدود الأردنية – السورية، لإعطاء المجال لمجموعات مسلحة كانت تنتظر خارج هذه الحدود داخل الأراضي السورية، للاندفاع إلى داخل الأردن، والوصول إلى هذه المدينة وتحويلها إلى قاعدة لهذا التنظيم الإرهابي، على غرار مدينتي الموصل العراقية والرقة السورية.

Ad

بدأ التخطيط لهذه العملية مبكراً، وكان من الممكن أن تكون هناك كارثة فعلية، نظراً لدقة التخطيط وخطورة الأسلحة والمتفجرات والأحزمة الناسفة التي أراد الإرهابيون استخدامها، لكن وكما تم كشف النقاب عنه لاحقاً، فإن المخابرات الأردنية، المُعترف بتفوقها ومهنيتها عالمياً، كانت قد وضعت يدها على هذه الخطة منذ البدايات، وبقيت تتابع مراحلها، إلى أن حانت لحظة التنفيذ، فكانت هي المبادرة والمسيطرة على الموقف وعلى مسرح العملية منذ اللحظة الأولى، مما أدى إلى فشل "داعش" ومن يقفون وراءه، فجاءت النتيجة عسكرياً وأمنياً وسياسياً لمصلحة الدولة الأردنية ومخابراتها وأجهزتها الأمنية، وفشل المتآمرون.

وحقيقة أنها ليست المحاولة الأولى الفاشلة التي استهدف بها الإرهابيون والذين يقفون وراءهم الأردن، فالمعلومات التي تم الإفراج عنها بعد عملية إربد الأخيرة، أشارت إلى أن المخابرات الأردنية تمكنت خلال الأعوام الأربعة الماضية، منذ انفجار الأزمة السورية، من إحباط عشرات المحاولات التي قام بها حزب الله اللبناني، وقام بها تنظيم "داعش" الإرهابي لاحقاً لاختراق الحدود الأردنية، وتنفيذ عمليات إجرامية كالتي استهدفت ثلاثة فنادق رئيسة في عام 2005، وأسفرت عن مقتل نحو 60 مواطناً أردنياً، إضافة إلى عدد من غير الأردنيين، فضلاً عن الجرحى والدمار والخراب.

وهنا فإن المفترض أن السؤال الذي تم تداوله حتى عربياً بعد إحباط هذه المحاولة الخطيرة جداً بالفعل هو: لماذا يستهدف النظام السوري الأردن على هذا النحو، وماذا يريد من إيذاء دولة شقيقة باتت تستضيف نحو مليونين من اللاجئين السوريين، رغم شح إمكاناتها الاقتصادية؟!

المعروف أن نظام بشار الأسد هدد أكثر من مرة، ولايزال، بأن العنف والفوضى اللذين تعيشهما سورية منذ عام 2011 سينتقلان إلى عدد من الدول المجاورة، وحقيقة أنه لم يكن يقصد لا إسرائيل ولا لبنان ولا العراق، إنما الأردن وتركيا، وخاصة أن العراق فيه ما يكفيه، كما يقال، بينما لبنان بات، كما هو معروف، تحت حكم حزب الله الذي حول ضاحية بيروت الجنوبية إلى دولة إرهاب واغتيالات داخل الدولة اللبنانية.

ولإدراك ما الذي يريده نظام الأسد، الأب أولاً والابن ثانياً، من الأردن، فإنه لابد من الإشارة إلى أن مخابرات هذا النظام أدخلت في سنوات سابقة "أبومصعب الزرقاوي" سراً بجواز سفر مزور إلى الأراضي الأردنية، ودفعت أعضاء من حزب الله في سنوات سابقة أيضاً لاختراق الحدود الأردنية، كما طلبت من تنظيمات فلسطينية القيام بتفجيرات في عمان ومدن أردنية أخرى... وهنا فإن السؤال مرة أخرى هو: لماذا، وما الذي يريده هذا النظام من الأردن؟!

إن لدى هذا النظام قناعة، سابقاً ولاحقاً والآن، بأن تعميم الفوضى التي تعيشها سورية على مدى الأعوام الخمسة الماضية على الدول المجاورة، وبخاصة الأردن، سيدفع العالم كله إلى توفير اهتمام زائد بهذه المنطقة، والإسراع إلى حل مشكلاتها وإشكالاتها.

هذا لاحقاً، أما سابقاً فإن حافظ الأسد الذي أدخل لبنان في حرب أهلية لتبرير إرسال قواته إليه واحتلاله، حاول نقل تلك التجربة إلى الأردن، والهدف هنا هو امتلاك الورقتين الأردنية والفلسطينية للذهاب إلى مفاوضات حل أزمة الشرق الأوسط، وهو يمتلك معظم أوراق هذه الأزمة.