تتباين الآراء حول جدوى الخصخصة، حيث يعتقد البعض أنها حل نموذجي لمشاكل العجز في الموازنات العامة وتحقيق أهداف الانفتاح الاقتصادي والنهوض بالخدمات، في حين يصفها آخرون بأنها بيع مقنن للدولة وتقديم مواردها العامة على طبق من ذهب للمتنفذين للاستحواذ على القطاعات الرابحة ونهبها، ولكن يبدو أن الحكومة أخذت برأي الفريق الأول، وعقدت العزم على خصخصة جميع القطاعات التي تسيطر عليها الدولة رغم ما سيحمله ذلك من مآسي كثيرة لا سيما للطبقة المتوسطة، وما يمثله من إخلال بمبدأ العدالة الاجتماعية التي ينشدها المواطنون.  ومن خلال قراءة متأنية نرى أن الخصخصة في الكويت لم تؤت ثمارها، وتجاربها غير ناجحة ونتائجها غير ملموسة على أرض الواقع، والترويج لأهمية دور القطاع الخاص في التنمية والتطوير واستيعاب الثروة البشرية المتاحة ليس في محله، فإذا تتبعنا القطاعات التي تنازلت عنها الدولة للمستثمرين فسنجد أنه لا يوجد فيها ما يستحق الإشادة من ناحية الجودة أو الخدمة، كما أن فكرة الشراكة مع القطاع الخاص لم تساهم في حل مشكلة التوظيف، فمازال أكثر من 90 في المئة من المواطنين يرتمون في أحضان الحكومة خوفاً من بطش أصحاب الشركات الخاصة الذين لايهمهم سوى تحقيق الأرباح دون أي اعتبارات للمسؤولية الاجتماعية.

Ad

وإذا كان المتحمسون للخصخصة يروجون بأنها تجذب الشركات العالمية والمستثمرين الأجانب إلى الكويت فإن هذا لم يحدث، حيث إن القانون الذي تم إقراره في هذا الشأن لم يثبت بعد أنه قادر على تحقيق ذلك، خصوصاً في ظل البيروقراطية الحكومية والتعقيدات التي تعرقل حتى المشاريع الاستراتيجية للدولة، كذلك فإن من معايير نجاح تجربة التخصيص زيادة دخل الدولة عن طريق تحصيل الضرائب من رجال الأعمال الذين توفر لهم فرصا ومشاريع جاهزة بأصولها وعمالتها ليمارسوا أنشطتهم ويحققوا الأرباح، ولكن للأسف هذا لا يحدث، فسياسة الخصخصة في الكويت عبارة عن نقل ملكية لأصحاب رؤوس الأموال ليزدادوا ثراء على حساب ذوي الدخل المحدود.

الخصخصة وسيلة لا غاية، فهي دواء لمشاكل الاقتصاد لا داء نصيب أنفسنا به، ولعلنا نأخذ العبر والدروس مما حدث في تجارب بعض الدول العربية التي طالتها الخصخصة، حيث تحولت هذه السياسة إلى عمليات ممنهجة لنهب الثروات والعبث بالمقدرات لخدمة أشخاص بعينهم، وضاعت أصول هذه الدول بأبخس الأثمان وأهدرت حقوق العمالة الوطنية، وتسبب الإسراع إلى الخصخصة من دون الدراسات الكافية إلى إغراقها في بحر من المشاكل والفساد، كذلك علينا أن ننظر إلى العالم الذي يئن من سيطرة الرأسمالية وظلمها في الوقت الذي نهرول فيه نحوها وكأننا نسير عكس عقارب الساعة.