ندوة «رفع الدعم والحالة الاقتصادية للدولة»: أوضاعنا صعبة... وهناك حاجة إلى قرارات جريئة ومفيدة
• اختلالات هيكلية عديدة علاجها أولى من «رفع الدعم»
• دراسات سابقة أهملت... والمشاكل لم تتغير منذ عقود
• دراسات سابقة أهملت... والمشاكل لم تتغير منذ عقود
نظمت جمعية الخريجين ندوة بعنوان «رفع الدعم والحالة الاقتصادية للدولة»، ناقشت توجهات الحكومة في مواجهة العجز الحالي للميزانية. مؤكدة أن الأوضاع الحالية صعبة، والدولة بحاجة إلى قرارات جريئة ومفيدة.
أكد خبراء اقتصاديون أن الحكومة هي المسبب الرئيسي لأزمة العجز في الميزانية العامة للدولة، مشيرين إلى العديد من الأخطاء السابقة التي وقعت فيها على مر السنوات دون إحداث نوع من العلاج لها.جاء ذلك خلال ندوة جمعية الخريجين، التي حملت عنوان "رفع الدعم والحالة الاقتصادية للدولة"، وشارك فيها باحث اقتصاديات الطاقة د. مشعل السمحان، ورئيس مجلس إدارة البنك التجاري الكويتي علي الموسى، واستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت د. عباس المجرن، وأدارها رئيس الجمعية عبدالعزيز الملا.وأوضح هؤلاء أن الحكومة تلقت العديد من الدراسات والتقارير الاقتصادية المختصة منذ سنوات بضرورة قيامها بإصلاح للاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الوطني، لكنها لم تتحرك إلا بعد أن انخفضت أسعار النفط، ووصلت إلى مرحلة لا تستطيع معها الدولة سداد رواتب الموظفين في القطاع العام فقط، مؤكدين أن انخفاض أسعار النفط لم تكن مفاجئة بل إن كل التقارير الاقتصادية وكل التوقعات أشارت منذ أشهر كثيرة الى أن الأزمة قادمة لا محالة.مشكلة الطاقةبداية، أكد السمحان أن الكويت هي التي استوردت مشكلة أسواق الطاقة لها، ولم تأت رغما عنها، وبالتالي انعكست هذه الأزمة سلبا على ميزانية الدولة، مشيرا إلى أن القلق لا يقع على مستقبل أسعار النفط، سواء ارتفعت أو لم ترتفع، بل على إدارة الدولة وقدرة الحكومة على مواجهة هذه الأوضاع وكيفية التعامل معها.وأضاف أن أزمة انهيار أسعار النفط لم تكن مفاجئة للمراقبين، بل كانت متوقعة منذ فترة طويلة، وما يثبت هذا الأمر تركيز العديد من التقارير المختصة على قدوم هزة كبيرة في أسواق الطاقة، موضحا أنه من الممكن أن تكون الأزمة المالية العالمية 2008 ساهمت في تأخير أزمة أسعار الطاقة وأجلتها إلى الأشهر السابقة.وزاد انه منذ 2014 أصبحت هناك تخمة في معروض النفط، وصلت إلى 2.2 مليون برميل يوميا، وبالتالي كان من المتوقع وبشكل كبير هذه الانخفاضات إذا استمرت فوائض الانتاج بهذا الشكل، مشيرا إلى أن الفترة الحالية تشهد توافقا بين الضغط السياسي والاقتصادي على الاسواق، وهذا ما يؤثر بشكل إضافي على استمرار الازمة.«كبسة زر»وأكد السمحان "وصلنا اليوم الى مرحلة الرقص على الحبل في مواجهة الأزمة، وليس من السهولة الاعتماد على أن اجتماعات واتفاقيات المنتجين في "أوبك" وخارجها سيؤدي إلى إيقاف النزيف، بل الأمر أصعب بكثير مما نتوقع"، لافتا إلى أن "الحلول في 2015 كانت أسهل، واليوم أصبحت أصعب وذات كلفة أكبر، بل ووصلنا الى مرحلة تعقدت فيها الأمور، والحل لم يعد "زرا" نضغطه وتنتهي المشكلة".وأضاف: "نحن لا نتحكم في مستويات الأسعار والكمية المنتجة، ولا نتحكم في قيمة الدولار، وبالتالي نحن مكشوفون 100 في المئة على متغيرات الأسواق، إضافة إلى ذلك نحن نفتقد مصدات نواجه بها الأزمة"، مشيرا إلى أن العمل على جعل رفع الدعم وتخفيض الصرف مصدات للأزمة لن ينجح كثيرا لأنها حلول مؤقتة وليست طويلة الأجل.واردف ان توقيت رفع الدعم خاطئ، وهل يوجد أساسا دعم؟ ما هو حاصل أن الحكومة لا تدفع اطلاقا مقابل الدعم، بل هي تتحدث عن "الفرصة البديلة" فقط! والحملة التسويقية لخطة الإصلاح المالي أتت من الجهة الخطأ، فمن قام بالتسويق قياديي وزارة المالية، ومن المفترض أن تكون "التجارة" هي المعنية بالأمر، لأن الدعم مرتبط بها بشكل مباشر، مؤكدا ضرورة أن تكون الحزم الاقتصادية المترابطة شفافة أكبر ليكون المواطن مشاركا فيها.تجاهل الاختلالاتبدوره، قال الموسى إن "الخروج عما توافقت عليه القوى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في السابق سيؤدي إلى مشاكل كبيرة، وهذا ما نراه يحدث حاليا"، مشيراً إلى أن الدستور الكويتي يشير في مواده إلى العدالة الاجتماعية وغيرها من الأمور، ومن خلال الخطة الحالية سيتغير الأمر.وأضاف: مواجهة العجز في الميزانية أتت عن طريق استقطاع المبلغ الذي تم تحديده بـ12 مليار دينار من الاحتياطي العام، دون حدوث تغييرات مؤثرة في الميزانية الجديدة في العديد من بنودها، وحتى اللحظة لم يتوافق مجلس الأمة مع الحكومة عليها، والمراقب يرى أن الحل سيذهب تدريجيا للاستقطاع من جيوب الناس، لافتا إلى أن الخطة تجاهلت الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الوطني.واستدرك: "لدينا مدرستان: الأولى إصلاحية والثانية محاسبية، الدولة استعانت بخبراء عالميين، إضافة إلى اللجان المختصة من الخبراء الكويتيين، وأجمعوا على إصلاح أوجه الاختلالات الهيكلية وضرورة القيام بها لأن الوضع لا يحتاج إلى مسكنات بل لعملية جراحية، لكن ما رأيناه هو أن الحكومة تركت كل هذه الدراسات وذهبت للاستعانة بمكتب محاسبي (ارنست آند يونغ) الذي لا يشمل عمله كحال بقية المكاتب المحاسبية أي أمر له علاقة بالعدالة الاجتماعية بل تكسير حسابات، وخرجت علينا بخطة محاسبية بحتة".الآثار التضخميةوأشار الموسى إلى أن الحكومة لم تتحدث عن دراسات الآثار التضخمية الناتجة عن الحلول المطروحة، وهناك أنظمة ومتخصصون في معهد الكويت للأبحاث العلمية مثلا، يستطيعون دراسة الآثار السياسية على القرارات الاقتصادية، مضيفا: "حينما قامت الحكومة بتغيير أسعار الديزل والكيروسين رأينا جميعا الأثر السلبي لها وظهور مطالبات الناس بإلغائها وغيرها".وأكد عدم اهتمام الحكومة بالدراسات التي حذرتها في أوقات سابقة، ومنها التقارير الدولية وتحديدا "صندوق النقد"، الذي أشار عام 2012 إلى حدوث أزمة متوقعة في الكويت عام 2017، ولكن لم يكن هناك أي تحرك جاد لتفاديها.وقال: "لدينا إجماع على أن الهدر هو أخطر أمر في الميزانية، والهدر لا يقتصر على الامتيازات الممنوحة لمسؤولي الحكومة، بل الهدر الأكبر يقع تحت تصرف الحكومة نفسها، فجميعنا يرى الصرف الكهربائي مثلا لمؤسسات ومباني الحكومة والتي تتجاوز وبأضعاف ما يهدره المواطنون".أولويات الصرفواضاف الموسى: "كل ميزانية في أي دولة بالعالم يجب أن تحتوي على أولويات للصرف، لتحديد أماكن التوفير إن أمكن، إلا ميزانية الكويت لا تحتوي على أي أولويات، الحكومة تمتلك 70 في المئة من الاقتصاد الوطني والدستور أعطاها السلطة في التحكم فيه، وبالتالي هي التي تتحمل المسؤولية كاملة في العجز الحاصل الآن، مؤكدا أن الأمر لا يتطلب تشريعات جديدة بل إدارة جديدة.واستطرد ان الحكومات في دول العالم الثالث دائما ما تتجه للطرف الأضعف في المعادلة لحل أي مشكلة اقتصادية، والكويت ذهبت للمواطن وهو الأضعف، مشيرا إلى أنه لم ير أي سياسي يريد تغيير حقبة زمنية وصلت إلى 50 عاما في يوم وليلة، ودون النظر في مسألة ردود أفعال الناس!النفط لا يكفيوذكر د. المجرن أن السعر الحالي للنفط لم يعد يكفي لسداد فاتورة رواتب الموظفين في القطاع العام، فالايراد الشهري المتحقق من سعر 28 دولارا لبرميل النفط لا يزيد على 630 مليون دينار، بينما تصل قيمة الرواتب الى 850 مليونا شهريا.واردف ان الدولة تواجه تحديات خطيرة تتمثل في الزيادة المتواصلة في عدد السكان، وكذلك تزايد عدد الخريجين الداخلين الى سوق العمل، ما سيضاعف عدد موظفي الدولة خلال 15 سنة قادمة.الفرصة البديلةوأضاف المجرن أن القول بعدم وجود دعم، وإن الدعم الذي تتحدث عنه الحكومة ناتج عن حسابها للتكلفة، باستخدام تكلفة الفرصة البديلة غير صحيح، لأن حساب التكلفة لا يكون صحيحا إذا لم يحسب باستخدام الفرصة البديلة، ذلك أن براميل النفط التي تستهلك في إنتاج الكهرباء والماء ووقود السيارات في الكويت، التي تصل إلى 400 الف برميل يوميا، لها قيمة في السوق العالمي، "ولو لم نكن نستخدمها، لتمكنا من بيعها وتحقيق إيراد منها، وبالتالي فإن تكلفة فرصة بيعها حقيقية وليست وهمية".وأضاف: "القول بان وزارة المالية قدمت مشروع الدعوم، وهي ليست لها علاقة بالدعم، وانه كان على وزارة التجارة تقديم هذا المشروع، فهذا أيضا غير صحيح، لأن موضوع الدعوم له علاقة بالإنفاق العام في الميزانية، وهو من صميم اختصاصات "المالية"، ولجنة الدعوم التي تم التعاقد معها لإعداد دراستها تضم 19 جهة حكومية، وليست وزارة المالية فقط". وقال إن الحكومة لا تستطيع تغطية العجز بأكمله من الاحتياطي العام، لأن معظم أصول الاحتياطي العام تستثمر في السوق المحلي والأسواق الإقليمية. "وبسبب ما تمر به المنطقة من حروب وكوارث، فإن قيمة هذه الاستثمارات منخفضة حاليا، وبيعها من أجل تحويلها إلى سيولة ستنتج عنه خسائر".وأشار إلى أن "القانون يحظر المساس بصندوق احتياطي الأجيال القادمة، كما يحظر على الحكومة الاقتراض. لذلك، فإن معالجة مواطن الهدر في الإنفاق، وتخفيض الدعوم، أحد المخارج التي تحاول الحكومة اللجوء اليها الآن".متطلبات الحلوقال المجرن إن المشكلة لا تكمن في نقص الحلول، بل في تفعيلها، وهذا يتطلب:1- تصحيح آلية صنع القرار الاقتصادي في الدولة، التي تعاني التباطؤ والتأجيل والتعطيل، وذلك سببه تعدد مراكز صنع القرار الاقتصادي، وغياب التنسيق بينها، بل ووصول قراراتها إلى حد التناقض والتعارض في الكثير من الأحيان.2- زيادة الجرعة الفنية في القرار الاقتصادي على حساب الجرعة السياسية.3- تحقيق التوافق السياسي والمجتمعي على استراتيجية تنمية واضحة وملزمة للجميع يثاب من يساهم في نجاحها ويحاسب من يعرقلها.4- رفع كفاءة عملية التخطيط التي تعاني الضعف في الكويت، بسبب عدم استقرار أسعار النفط من جهة، وضعف كفاءة الجهاز المكلف بعملية التخطيط.5- رفع كفاءة الجهاز التشريعي، وتحديد أولويات الإصلاح التشريعي على أسس علمية وموضوعية.6- معالجة ضعف كفاءة الجهاز التنفيذي، وعدم قدرته على تنفيذ السياسات والبرامج التنموية، وما يتسبب به ذلك من هدر مالي. وأوضح: "هذه المعالجة تتطلب إصلاح نظام التوظف الحالي، الذي يساوي بين الموظفين، فلا يكافئ المخلص ولا يعاقب المسيء، كذلك إصلاح نظام الوصول إلى المواقع القيادية عبر الروابط العائلية أو القبلية أو الطائفية أو الحزبية".7- معالجة ضعف مخرجات التعليم، فالكويت تنفق على التعليم أكثر من فنلندا، ولديها أفضل نسبة مدرسين إلى عدد الطلبة، لكن كفاءة مخرجاتها التعليمية أقل من زيمبابوي، الدولة الإفريقية الفقيرة.سعر الكهرباءوعن دعم الكهرباء، تعقيبا على أسئلة الحضور، قال إن سعر فلسين للكيلووات / ساعة هو الأدنى في العالم، وانه سعر منخفض يؤدي إلى نسبة عالية من الاسراف، وكذلك الحال مع الماء.وقال إن معدل استهلاك الفرد من الكهرباء في الكويت من بين الأعلى في العالم، إذ يبلغ 15.6 الف كيلووات في السنة، مقابل 8 الاف كيلووات في المانيا والسعودية، و10.5 كيلووات في الامارات، لعدم كفاءة السعر ونظام التحصيل.وأكد أن تصحيح السعر كفيل بالحد من ثقافة الإسراف في الاستهلاك التي تفشت في المجتمع، داعيا إلى استخدام نظام تصاعدي لشرائح الاستهلاك يحقق العدالة بين المستهلكين.الثامر: تخفيض الإنفاق أسلوب «الكسول»قال خبير أسواق المال محمد الثامر في تعقيبه في الندوة إن تخفيض الإنفاق عادة ما يكون أسلوب "الكسول"، مشيراً إلى أن المدير الناجح هو الذي ينظر لأسباب الأزمة، لمعالجتها، لا لأوجه "الوفر" لتقليصها، فالأزمة واقعة أساساً رغماً عنا، لكن انخفاض أسعار النفط قام بتقريب حدوثها فقط.وأشار إلى أن ديباجة تأسيس الهيئة العامة للصناعة في 1965 تحتوي على نفس نقاط الندوة ومحاورها، وهي ضرورة إيجاد مصادر بديلة للنفط، لكن للأسف لم يتغير أي شيء حتى الآن، مؤكداً أنه يجب عودة الدولة إلى جادة الإنتاج.وأضاف: "يجب أن تستفيد الحكومة من التصنيفات الجيدة، وتقوم برفع القدرة الاستثمارية وزيادة الإنفاق في البلد، بدلاً من تخفيضه، الذي لم يكن يوما حلا للمشكلة".الموسى: المطلوب التفكير في الحل «خارج الصندوق»قال الموسى إن حل المشكلة يجب أن يأتي من أفكار من "خارج الصندوق"، لا أن نتقيد بالأسلوب التقليدي للعلاج، مؤكداً أهمية التوجه لأمور جديدة وغير تقليدية، لمواجهة العجز الحالي.وأوضح أن التسويق للخطة يجب أن يكون موضوعياً وشفافاً أكثر، وأن يتم طرح كل الأرقام أمام الجميع، للمساهمة في الحل.• الموسى: الخروج عما توافقت عليه القوى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية سابقاً يؤدي إلى مشاكل كبيرة• الحكومة توجهت إلى المدرسة المحاسبية لمواجهة العجز وتجاهلت «الإصلاحية»• كل ميزانية في العالم تحتوي على أولويات للصرف لتحديد التوفير إن أمكن إلا ميزانية الكويت• المجرن: نحتاج إلى تصحيح آلية صنع القرار الاقتصاديفي الدولة... وتعدد المراكز يعرقل القرار• السعر الحالي للنفط لم يعد يكفي لسداد فاتورة رواتب الموظفين في القطاع العام• الحكومة لا تستطيع تغطية العجز كلهمن الاحتياطي العام• السمحان: وصلنا إلى مرحلة «الرقص على الحبل»في مواجهة الأزمة... واتفاقات «أوبك» غير كافية• الحلول في 2015 كانت أسهل... واليوم أصبحتأصعب ومكلفة أكثر• أزمة انهيار أسعار النفط لم تكن مفاجئة للمراقبينبل كانت متوقعة منذ فترة طويلة