تمكنت حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، المدعومة دولياً، من فرض نفسها في العاصمة (طرابلس)، بعد أن ألغت حكومة الأمر الواقع، التي فرضتها قوات "فجر ليبيا" نفسها أمس الأول.

Ad

وأمام الحكومة الآن تحديان وطنيان؛ الأول استكمال السيطرة على غرب البلاد وحل مسألة الفصائل المسلحة، والثاني إقناع الشرق، الغني بالنفط، بالانضمام إلى سلطتها.

نجحت حكومة الوفاق الوطني الليبية في انتزاع السلطة في طرابلس، بعد أسبوع من دخولها العاصمة، مع إعلان الحكومة التي فرضها تحالف "فجر ليبيا" العسكري، غير المعترف بها، تخليها عن الحكم من دون إراقة دماء، فحققت خطوة إضافية صغيرة تعلق عليها الآمال، بإخراج البلد من الفوضى، إلا أن التحديات أمامها لا تزال كبيرة.

دعم في الغرب والجنوب

ودخلت حكومة الوفاق، برئاسة فايز السراج، طرابلس قبل أسبوع، وسرعان ما حظيت بدعم سياسي كبير، مع إعلان بلديات مدن في الغرب وفي الجنوب الولاء لها.

ونالت الحكومة في موازاة ذلك تأييد المؤسسات المالية والاقتصادية الرئيسة، وهي المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط والمؤسسة الليبية للاستثمار في طرابلس.

وهددت السلطة غير المعترف بها دولياً، التي يرأس حكومتها خليفة الغويل، باعتقال أعضاء حكومة السراج بعيد دخولهم العاصمة، إلا أنها وجدت نفسها أمام تأييد سياسي كبير لهذه الحكومة ترافق مع انشقاق غالبية الجماعات المسلحة في طرابلس عنها، لتنضم إلى حكومة الوفاق.

العويل يتراجع

ومع اتساع رقعة التأييد لحكومة السراج، التي تعمل من قاعدة طرابلس البحرية، والهدوء الذي عمَّ المدينة منذ دخولها بعد الخشية من أن تثير هذه الخطوة مواجهات مسلحة، أعلنت حكومة الغويل، التي تتبع المؤتمر الوطني العام المنحل، الذي كان يسيطر عليه الإسلاميون أمس الأول، مغادرة الحكم.

وعاد الغويل، أمس، ليتراجع عن بيان حكومته، داعياً الوزراء للعودة إلى "تأدية المهام الموكلة إليهم"، وأضاف أن "كل من يتعامل مع القرارات" الصادرة عن حكومة الوفاق "سوف يعرض نفسه للمساءلة القانونية".

انتهاء «فجر ليبيا»

وقال مسؤول أمني في طرابلس إن "تحالف فجر ليبيا العسكري انتهى برحيل السلطة التي كانت تغطيه سياسياً. هذه الصفحة طُويت"، في إشارة إلى التحالف الذي كان يضم فصائل إسلامية وأخرى مناطقية، من الزنتان ومصراتة، والذي سيطر على العاصمة، وطرد منها الحكومة الشرعية وقوات الجيش الموالية للجنرال خليفة حفتر.  

الكوني

وقال نائب رئيس حكومة الوفاق موسى الكوني: "هناك تحديات عديدة، والآن بدأ العمل الفعلي، وانطلق مسار مواجهة كل الأزمات"، مضيفاً أن عمل حكومته من الوزارات "قد يبدأ خلال أيام".

واعتبر أن عملية تسلم السلطة بشكل سلمي ومن دون مواجهات مسلحة "دليل على أن الشعب الليبي فيه خير. لقد أنقذنا طرابلس من حمام دم".

قرارات فورية

وبعد ساعات قليلة من إعلان حكومة طرابلس مغادرة الحكم، انتقلت حكومة الوفاق إلى العمل على ترسيخ سلطتها.

وطلبت في قرار نشرته على صفحتها بموقع "فيسبوك" من جميع الوزارات والمؤسسات والمصالح والمراكز والهيئات استخدام شعارها.

وطلبت من المصرف المركزي وديوان المحاسبة "تجميد حسابات الوزارات والهيئات والمصالح العامة"، فيما عدا رواتب الموظفين الحكوميين، مشددة على أن أي مصاريف خاصة بأي طرف رسمي يجب أن تحظى بموافقتها.

ويشمل هذا القرار الحكومة التي تنحت عن الحكم في طرابلس والمؤسسات التابعة لها، كذلك "حكومة طبرق"، التي كانت تحظى بدعم دولي قبل تشكيل حكومة الوفاق.

حكومتان

وأصبح في ليبيا بحكم الأمر الواقع حكومتان بدلا من ثلاث، هما حكومة الوفاق، والحكومة المدعومة من البرلمان المعترف به دولياً في طبرق شرق ليبيا.

وانبثقت حكومة السراج عن اتفاق سلام وقع في المغرب في ديسمبر برعاية الأمم المتحدة من أعضاء في برلمان طرابلس (غير معترف به) وبرلمان طبرق (شرق) المعترف به دولياً، لكن التوقيع حصل بصفة شخصية.

ووقع مئة نائب من 198 من أعضاء البرلمانيين تأييد لحكومة الوفاق، بعدما فشل البرلمان بمناسبات عدة في عقد جلسة للتصويت على الثقة.

انتخاب السويحلي

وبعد أن صوَّت مجلس الدولة الأعلى الليبي، أمس الأول، خلال جلسته الأولى بالإجماع على تعديل الإعلان الدستوري الخاص بالاتفاق السياسي "نظرا لتعذر اجتماع مجلس النواب"، قام المجلس أمس بانتخاب عبدالرحمن السويحلي رئيسا له، واعتبر نواب أن التعديل الدستوري وانتخاب السويحلي خطواتان غير شرعيتين.

معضلة الشرق

وسبب اعتماد حكومة الوفاق على دعم أو قبول ألوية مسلحة تسيطر على العاصمة منذ 2014 قلقاً في شرق ليبيا، حيث يتمركز الفريق خليفة حفتر المناهض للإسلاميين، والذي يتمتع بنفوذ كبير.وأشار عقيلة صالح، رئيس برلمان شرق ليبيا، إلى مثل هذه المخاوف عندما قال السبت الماضي إن تصريحات بعض أعضاء المجلس الرئاسي، الذي يترأسه السراج، توحي بعدم ارتياحهم للجيش الموجود بمعظمه في الشرق، الذي يقوده حفتر، وأضاف أنهم لن يسمحوا بأن تكون الحكومة تحت رحمة الفصائل المسلحة.

مخاوف من الفصائل

وقال ريكاردو فابياني، محلل شؤون شمال إفريقيا بمجموعة أوراسيا، إن الفصائل "تدعم حكومة الوحدة الوطنية، لأنها تتخذ أوضاعا جديدة بمهارة شديدة في الأجواء المستجدة".

وأضاف: "ذلك لا يعني أنها ستدعم الحكومة طول الوقت. بمجرد أن تظهر انقسامات في حكومة الوحدة ستقف مع وزير أو آخر مثلما كانت تفعل حتى عام 2014".

النفط

وبالإضافة إلى تعيين حفتر قائداً للجيش، حاولت حكومة طبرق تشكيل هياكل موازية، منها مؤسسة وطنية للنفط وبنك مركزي، لكن هذه الكيانات تعد بلا سلطة إلى حد كبير.

وحاولت المؤسسة الوطنية للنفط في شرق البلاد في جهودها لبيع النفط بشكل منفصل.

وفي الأسبوع الماضي، تعهد إبراهيم الجضران، أحد قادة حرس المنشآت النفطية، الذي كان متحالفا مع حكومة طبرق، بدعم حكومة الوفاق، وبإعادة فتح مرافئ النفط التي أغلقتها قواته.

لكن في إشارة قد تدل على المزيد من الانقسامات، دفعت خطوة الجضران "الكتيبة 152"، وهي فصيل منافس لحرس المنشآت النفطية، إلى إعلان ولائها التام لحفتر.

بدورها، قالت المؤسسة الوطنية للنفط في شرق ليبيا، أمس الأول، إنه حتى إذا منح البرلمان الثقة لحكومة الوفاق، فإنها ستواصل عملها خارج بنغازي، أكبر مدينة في شرق ليبيا، وقال فابياني إن حفتر قد يواصل أيضا عمله العسكري بشكل مستقل.