المفترض أن تبدأ اليوم الخطوة الأولى لحل الأزمة السورية، التي تحولت إلى كارثة بعدما شرع نظام بشار الأسد أبواب "بلده" أمام كل عابر سبيل، لكن الواضح أن هذه الخطوة المرتبكة غير المضمونة ستكون بداية طريق وعر وطويل، غير معروف إلى أين سيؤدي ما دام أنَّ اللاعبين الرئيسيين يشدُّ كل واحد منهم في اتجاه معاكس للاتجاه الذي يشد فيه الآخر، وما دام أن الروس متمسكون ببقاء بشار الأسد، غير معروف إلى متى، خلافاً لبيان "جنيف1" وللتوجُّهات التي تم الاتفاق عليها في "فيينا" وأيضاً لقرارات مجلس الأمن الدولي رقم 2254.

Ad

كان يجب أن تأتي المعارضة الفعلية المنبثقة عن مؤتمر الرياض، والتي تشارك فيها خمسة تنظيمات عسكرية كلها فاعلة ومقاتلة ولها وجود في معظم الأراضي من بينها الجيش السوري الحر إلى جنيف، وتأخذ موقعها على مائدة المفاوضات، وسواءً كانت هذه المفاوضات مباشرة أم غير مباشرة فهي صاحبة الحق، وهي التي تمثل الشعب السوري، وبالتالي فإنها الأحرص على ألَّا تستمر هذه الأوضاع المأسوية، والأحرص على وحدة سورية ووحدة شعبها.

كان الطرف الآخر، نظام بشار الأسد والروس والإيرانيون وكل من هبَّ ودب، يراهن على أن المعارضة السورية "المعتدلة" ستستجيب لاستفزازاته، وأيضاً لاستفزاز المبعوث الدولي ستيفان ديميستورا وتقاطع اجتماع اليوم، وتغيب عنه، لكن ولأنها "أم الولد"- كما يقال- ولأنها صاحبة الحق، والأكثر حرصاً على وضع حدٍّ لمسيرة الآلام هذه المستمرة منذ نحو خمسة أعوام، فإنها جاءت إلى جنيف وحرصت على حضور هذا الاجتماع الذي حتى وإن هو شكل ولو بصيص ضوء ضئيل في نهايات نفق مظلم، فإنه بالإمكان البناء عليه وتحقيق إنجازات سيكون تحقيقها بمثابة معجزة في زمن لا معجزات فيه.

سيتمسك وفد النظام وفقاً، ليس لتوجيهات "الرفيق" سيرغي لافروف بل لتعليماته، بكل الهذيان التفاوضي الذي تم الإعلان عنه أكثر من مرة، والذي يهدف إلى إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل مارس 2011، وهذا لا يمكن أن يتم ويحصل، فحركة التاريخ تجاوزت تلك اللحظة، وهناك حقائق فعلية غدت متجسدة على الأرض والشعب السوري الذي قدم كل هذه التضحيات، والذي غدا جزءٌ منه مشرداً في أربع رياح الأرض لا يمكن أن يعود ليخضع لأوضاع كان خضع لها قرابة خمسين عاماً، وكانت النتيجة هذه الثورة الباسلة التي أصبحت لا خيار أمامها إلا خيار الانتصار.

إنها ليست المرة الأولى التي تجلس فيها المعارضة إلى مائدة التفاوض مع ممثلين من هذا النظام، يديرهم المايسترو سيرغي لافروف، فقد كان هناك "جنيف 2" التي فشلت فشلاً ذريعاً لأن اللاعب الروسي أصر، خلافاً لما جاء في "جنيف1"، على أن تكون الأولوية لمواجهة الإرهاب وليس لإزاحة بشار الأسد وإسقاط نظامه، وهنا فإنه غير مستبعد على الإطلاق أن يكون مصير "جنيف 3" كمصير "جنيف 2"، وأن تنتهي هذه المحاولة إلى الفشل... لكن ما العمل طالما أنه ليس أمام المعارضة السورية ومن يؤيدونها إلَّا هذا الخيار.

وهكذا، وكما أن الحرب امتداد للسياسة بوسائل أخرى، كما قال المنظر العسكري الاستراتيجي كارل فون كلاوْزفيتر، فإن السياسة امتداد للحرب أيضاً، وهذا يعني أن مفاوضات "جنيف 3" التي من المفترض أن تبدأ اليوم هي اشتباك في معركة كبيرة، ولذلك فإنه كان لابد من أن تأتي المعارضة السورية إلى هذا الاشتباك الذي ستترتب على نتائجه مواجهات مصيرية مقبلة كثيرة.