لا بد من القول إن العسكريين في جيوشنا العربية هم أبناء هذه الأوطان، ويقومون برسالة ومهمة مقدسة بالدفاع عنها وحمايتها، وأن بعض العسكريين الذين حكموا بعض الدول العربية كانت لهم إيجابيات، ولكن لا بد من القول إن أحد أسباب تخلف الوطن العربي أيضاً هو حكم العسكر. 

Ad

على العسكر في الجيوش العربية مهمة عسكرية هي حماية حدود الأوطان وسيادتها، ومهمتهم الأساسية هي الدفاع عن الدول، وفي وضع استثنائي في الدول النامية والمتخلفة يقوم العسكر بدور سياسي، والسبب الأساسي لذلك أن الجيوش هي القوة الأساسية في هذه الدول في غياب أو ضعف القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، وفي الوطن العربي وخصوصاً الرئيسة والكبيرة منها أدى العسكر دوراً في تغيير الأوضاع في مرحلة ما بعد الاستقلال مثل: مصر وسورية والعراق والجزائر والسودان وموريتانيا واليمن.

والأمر لم يقتصر على الدول العربية بل هناك دول أخرى في الشرق الأوسط كتركيا وباكستان، وفي إفريقيا وأميركا الجنوبية، كانت ولا تزال الأصوات ترتفع ضد تدخل العسكر في السياسة وحكم دولهم، وأحياناً من قوى سياسية لها ذراع عسكري في الجيش عندما تكون خارج السلطة.

ولا بد من القول إن العسكريين في جيوشنا العربية هم أبناء هذه الأوطان، ويقومون برسالة ومهمة مقدسة بالدفاع عنها وحمايتها، وأن بعض العسكريين الذين حكموا بعض الدول العربية كانت لهم إيجابيات، ولكن لا بد من القول إن أحد أسباب تخلف الوطن العربي هو حكم العسكر.

وإذا كانت المرحلة التي يمر بها العالم العربي مرحلة انتقال، ولا بد من دور للجيوش سياسياً فيها فهي مرحلة مؤقتة يجب أن تنتهي إلى التعددية والديمقراطية، وقد حاول سوار الذهب في السودان أن يفعل ذلك ولأول مرة في تاريخ العرب، ولكن الظروف لم تكن مناسبة للانتقال إلى الديمقراطية فعاد العسكر إلى الواجهة ليؤدوا دوراً أساسياً في السودان.

والغريب أن الأحزاب السياسية العربية في غالبها تحاول أن يكون لها امتداد في الجيوش العربية للسيطرة على السلطة وتنفيذ برامجها وأجندتها بدلاً من أن تبقى قوى ضاغطة شعبياً لتحقيق مكاسب للوطن والمواطنين، فالمشكلة تكمن في أن هدف تلك القوى الأساسي هو الوصول إلى السلطة، والغاية عندها تبرر الوسيلة!

وبحكم التربية العسكرية لا يمكن أن يكون العسكري ديمقراطياً، والاستثناء في ذلك محدود، لكن علينا أن نعترف بأن وطننا العربي قد شهد تضحيات كبيرة من العسكريين، فهم يضحون بحياتهم من أجل أن ينعم الناس في دولهم بالأمان والاستقرار، وفي حماية الأوطان ضد الأعداء، وأن الهجوم المبالغ فيه على العسكر لا يجور إلا إذا خرج العسكريون عن مهامهم الأساسية، وكثير من الدول والشعوب تنتقد حكم العسكر وفي الوقت نفسه تفتخر بحكم عسكريين لدولهم في مراحل تاريخية مثل: شارل ديغول في فرنسا، وأيزنهاور في أميركا وعبدالناصر في مصر، وغيرهم في دول حول العالم.

عندما كانت الأقطار العربية تحت سيطرة الاستعمار في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين كانت الجيوش العربية ضعيفة، وجيوش الاحتلال وقياداتها السياسية هي التي تحكم، وبعد حصول هذه الدول على استقلالها بدأت تنمو وتتطور الجيوش العربية، وهدف الدولة الأساسي حماية النظام السياسي القائم، وفي أحيان كثيرة تدخّل العسكر في السياسة، فكان ذلك وبالاً على بعض تلك الدول.

 وفي مرحلة المخاض التي يعيشها الوطن العربي يستمر الجدل حول دور العسكر، لكن الذين ينتقدون العسكر غير قادرين على تقديم البديل لأن الظروف الموضوعية ليست في وضع يجنب تلك الدول تدخل العسكر في السياسة، والذين سيبقون في المقدمة في عدد من الدول العربية ما دامت القوى السياسية ضعيفة، ومؤسسات المجتمع المدني مهمشة، وفي أحيان كثيرة وفي وقتنا الحاضر تتخذ بعض القوى السياسية أسلوب الهجوم على الدور الذي يؤديه العسكر في دولها لعجز هذه القوى وفشلها السياسي عندما أتيحت لها فرصة الحكم، فأصبح دورها ولا يزال تخريبياً لا إصلاحياً، إذاً فالمستقبل للتعددية والديمقراطية والدول المدنية، ولكن الطريق طويل وشاق للوصول إلى ذلك الهدف.