لم أتمكن من تحديد موقف من إضراب عمال النفط بسبب تضارب المعلومات، وعدم صدور قانون البديل الاستراتيجي رسمياً حتى الآن، ولكنني في الوقت نفسه لا أستطيع أن أشجب أي عمل نقابي متوافق مع القانون والمعاهدات الدولية، وهذا الوضع يجعلني أرتجي أن يكون هناك حوار بين الحكومة والعمال للوصول إلى حل توافقي يخدم مصلحة البلد، ولا يضر أبناءه في رزقهم ولا ينتقص من مكتسباتهم.

Ad

لكن عناوين مثل "مصلحة البلد" و"مكتسبات العمال" من الصعب أن يتوافق على تحديد تعريفاتها الطرفان المتنازعان في مشكلة الإضراب، ولنكن عمليين وواقعيين أكثر، فالكويت تمر كجميع الدول النفطية بأزمة مالية بسبب تدهور أسعار النفط مما فوق الـ100 دولار إلى ما دون الـ40 دولاراً، وهو ما يتطلب تدابير مالية واقتصادية عاجلة، ما دفع الحكومة لتبادر بوضع ما أسمته بـ"وثيقة الإصلاح المالي والاقتصادي"، في حين صاغت غرفة تجارة وصناعة الكويت تصوراتها للمعالجة الاقتصادية في ورقة قدمتها إلى القيادة السياسية.

مجلس الأمة، الذي تحظى فيه الحكومة بالأغلبية، لديه ميل إلى مسايرة الحكومة وتنفيذ وثيقتها الاقتصادية ولو عن طريق المناورة بشكل بارع عبر التظاهر بتغيير بند أو آخر من القوانين التي تقدمها لرفع الدعوم وزيادة تعريفات الخدمات والسلع، ولكنه في النهاية يلبي ما يريده مجلس الوزراء، كما أن البرلمان ليس لديه أي نية لإعداد تصور متكامل خاص به للإصلاح الاقتصادي.

في هذه الصورة لخريطة القوى وصنع القرار أو التأثير فيه لم يتبق سوى المجتمع المدني الغائب عنها، والذي تشكل فيه النقابات الثقل الأكبر، ولا يمكن للنقابات والروابط والجمعيات التي تمثل أصحاب المهن والحرف والموظفين أن تتجاهل المشكلة الاقتصادية في الكويت وتطالب بامتيازات مالية جديدة أو استمرار القديمة المبالغ فيها دون أن تساهم في حل تلك المشكلة أو وضع تصور حيالها، وبما أن أغلبية النقابات والاتحاد العمالي الكويتي أصبحوا كتلة واحدة متضامنة في قضية إضراب النفط فعليهم أن يكونوا منظمين وعمليين عندما يجلسون للتفاوض مع الحكومة، وتكون لهم حلول علمية ومدروسة عندما توجه لهم الحكومة السؤال: إن لم تضحوا فكيف سنواجه عجز الميزانية؟

الإجابة عن هذا السؤال تتطلب دعوة وطنية من المجتمع المدني من جمعيات النفع العام - وبصفة خاصة من النقابات العمالية - لإعداد "الوثيقة الشعبية للإصلاح الاقتصادي" ويعدها متخصصون لتحقيق العدالة، ويضعون فيها التصورات التي تجاهلتها الحكومة، مثل ضريبة التحويلات الخارجية، وضريبة الأرباح، ومساواة مشاريع البي أو تي مع الجمعيات التعاونية بحصول الدولة على 30 في المئة من قيمة إيجارات محلاتها، وتقليص مميزات القيادات والوزراء وبقية الجهات المستثناة من "البديل الاستراتيجي"... إلخ، وهناك أسماء متخصصة ومهنية تتابع هذا الملف ولها آراء معتبرة تناقض توجهات وثيقة الحكومة مثل د. بدر الديحاني وزملاء آخرين له، لا أعتقد أنهم سيرفضون العمل التطوعي.

طبعاً هذا الجهد الشعبي لو تم فستحاول بعض الجهات وبعض جمعيات النفع العام المخترقة من أصحاب المصالح منعه، لذا يجب أن تكون هناك مثابرة وعزيمة لتحقيقه، لأنه إذا لم توجد وثيقة لإصلاح اقتصادي بتصور شعبي فعلى الجميع أن يبصموا على وثيقة الحكومة غير العادلة اجتماعياً والمنحازة لأصحاب السطوة والنفوذ لأنه لا يوجد بديل عنها يمكن التفاوض بشأنه.