مرافعة : القضاء مسؤوليتكم والتاريخ لن يرحمكم!

نشر في 08-03-2016 | 00:01
آخر تحديث 08-03-2016 | 00:01
 في الوقت الذي يواصل المجلس الحالي جلساته لمناقشة العديد من القوانين المقدمة إليه بصورة مشاريع أو حتى اقتراحات بقوانين أتمنى أن يسارع المجلس في نظر وإقرار قانون استقلال السلطة القضائية ماليا وإداريا، المعروض على المجلس قبل عام ٢٠٠٨، لحسم وإنجاز هذه المرحلة التي يمر بها القضاء، بما يكفل استقلالها كسلطة.

ومثلما نطالب بإقرار قانون لاستقلال السلطة القضائية نريد قانونا ينقلنا الى الامام ولا يعيدنا الى الخلف، يحقق مكتسبات جديدة ويرفع من شأن هذه السلطة ويدعم صلاحياتها ويعزز مكانتها كما أرادها الدستور، فلا نريد قانونا يضعف منها كسلطة ويقلل الصلاحيات الممنوحة لها، حتى في ظل قانون تنظيمها الحالي المنتقد، ولا نريد تنظيما مشوها باسم استقلالها، كالمشروع الحكومي المقدم الى المجلس، والذي جاءت أحكامه على شكل انتقام وردة فعل من جراء الأحكام القضائية التي تحصل عليها القضاة والمستشارون ضد الحكومة.

لا يمكننا قبول السطوة الادارية والمالية التي تمارسها السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، والتي كشف عنها التنظيم الحالي لقانون القضاء، ولا يمكن كذلك قبول فضيحة الصلاحيات التي منحها المشروع الحكومي الحالي لوزير العدل والمقدم الى مجلس الامة، ونحن نقترب من مرور ٦٠ عاما على نشأة الدستور، واستمرار تلك السطوة بمشروع حكومي جديد يكرسها وبمباركة نيابية من المجلس يعني استمرار السلطتين في تجريد القضاء من سلطاته وصلاحياته التي كفلها الدستور لاي سلطة!

ومثل تلك السطوة التي تعمل السلطة التنفيذية على تعزيزها ليس لها أضرارها العملية على السلطة القضائية في تحقيق احتياجاتها الفعلية وتطوير إمكاناتها فقط، بل تثور خطورتها في الإخلال بفكرة التوازن التي قررها الدستور لكل السلطات، ويقول في هذا المقام الفقيه الفرنسي ديجيه إن «كل ديمقراطية ناشئة لم تنضج فيها المبادئ الديمقراطية ولم تستقر هذه المبادئ عندها في ضمير الأمة تكون السلطة التنفيذية فيها أقوى السلطات جميعا تتغول السلطة التشريعية وتسيطر عليها وتتحيف السلطة القضائية وتنتقص من استقلالها، والدواء الناجع لهذه الحال هو العمل على تقوية السلطة القضائية فهي أدنى السلطات الثلاث الى الاصلاح، إذ القضاة نخبة من رجال الامة، اشربت نفوسهم احترام القانون، وانغرس في قلوبهم حب العدل، وهم بطبيعة وظيفتهم يؤمنون بمبدأ المشروعية، ولا يقدر لهذا المبدأ قيام واستقرار إذا لم يوجد إلى جانبه قضاء حر مستقل يحميه من الاعتداء ويدفع عنه الطغيان».

مسؤولية مجلس الأمة في التعاطي مع ملف السلطة القضائية تاريخية، وستخلد هذه المرحلة مهما كان أثر التشريع الصادر من المجلس بشأن استقلال السلطة القضائية، ولكن على المجلس أن يتذكر الرسالة التي وجهتها محكمة التمييز بحكمها الصادر في مايو ٢٠١٥ الى السلطتين التشريعية والتنفيذية، والتي تطالب بكف التدخل الاداري والقانوني على السلطة القضائية، حيث أكدت المحكمة أن «هذا التدخل يكون في صور عديدة، منها ما يشكل اعتداء صارخا على حرمة القضاء وقدسية احكامه، ومن أبرزها ان تقوم السلطة التنفيذية من جانبها بفعل او امتناع يجهض قرارا قضائيا قبل صدوره، أو يحول بعد صدوره دون تنفيذه تنفيذا كاملا، أو أن يمحو الآثار التي رتبها، أو أن يعادل من تشكيل هيئة قضائية ليؤثر في احكامها، او اتخاذ اجراء تشريعي ينقض قرارا قضائيا، لما يترتب على ذلك من زعزعة المراكز القانونية التي ترتبت على اصدار تلك الاحكام، ويؤدي بالضرورة الى المساس بهيبة القضاء وقدسية أحكامه، ليس فقط في نظر المتقاضين، بل ايضا في نظر عموم الناس، إذ إن هيبة القضاء وقوته من هيبة الدولة وقوتها، ومن اجل ذلك يحرص اي مجتمع متحضر، ينشد الرفعة والتقدم والاستقرار السياسي والاجتماعي، على ان يوفر لقضائه كل الامكانات التي تيسر له سبيل اداء رسالته المقدسة، والنهوض بأعبائها الجسام، وأن يحقق حياة كريمة وآمنة للقضاة، لإعلاء الشرعية، ورعاية سيادة القانون، وحماية الحقوق، وصون الحريات».

كما أن على مجلس الامة أن يتذكر الكلمات التي خلص إليها البيان الصادر عن اجتماع القضاة في قصر العدل بتاريخ ٢٢ يونيو ٢٠١٥، اعتراضا على بنود مشروع الحكومة المرسل الى مجلس الامة، والذي جاءت احدى فقراته «وضعت السلطة التنفيذية مشروعا بقانون بتعديل بعض أحكام قانون تنظيم القضاء يكرس بشكل فاضح هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، وضمنته مواد تنسف القلة الباقية من الاستقلال الإداري للسلطة القضائية في قانون تنظيم القضاء الحالي، وجعلت وزير العدل هو المسيطر على مقاليد الأمور الإدارية والمالية، وهمشت دور المجلس الأعلى للقضاء الممثل للسلطة القضائية، وإن المتأمل لنصوص ذلك المشروع يصل الى نتيجة مفادها أن السلطة التنفيذية لا تؤمن باستقلال السلطة القضائية، وتعتبرها أحد المرافق الملحقة بها».

back to top