عام 1856م خرجت آلاف النساء في شوارع نيويورك للاحتجاج على الظروف اللاإنسانية التي كن يُجبَرن على العمل تحتها، ورغم أن الشرطة تدخلت بطريقة وحشية لتفريق التظاهرات فإن المسيرة نجحت في دفع المسؤولين من السياسيين إلى طرح مشكلة المرأة العاملة على جداول أعمالهم اليومية.

Ad

وفي 8 مارس 1908م عادت الآلاف من عاملات النسيج للتظاهر من جديد في شوارع مدينة نيويورك، لكنهن حملن هذه المرة قطعاً من الخبز اليابس وباقات من الورود في خطوة رمزية لها دلالتها واخترن لحركتهن الاحتجاجية تلك شعار "خبز وورود".

حيث طالبت المسيرة هذه المرة بتخفيض ساعات العمل ووقف تشغيل الأطفال ومنح النساء حق الاقتراع. غير أن تبني يوم عالمي للمرأة من قبل منظمة الأمم المتحدة لم يأت إلا عام 1977، حيث طلبت من دول العالم أن تحدد كل دولة يوماً لهذا الاحتفال، فاتفق على أن يكون الثامن من مارس من كل عام هو اليوم العالمي للمرأة.

إلا أن كندا تحتفل أيضاً بيوم دخول المرأة البرلمان في يوم الثامن عشر من أكتوبر من كل عام (Persons Day).

في عالمنا العربي لنا مع الأم تكريم يفوق كل ما تقدم، إذ إن احترامها وتقديرها وإكرامها في كل ما تستحقه هو فريضة وعقيدة لا يخرج عنها إلا عاصٍ جزاؤه خسارة في الدنيا والآخرة.

في القرآن الكريم سورة اسمها "النساء" لا تحتاج المرأة في حياتها أكثر من هذا التكريم والكرم الرباني، وتوصية من رسولنا الكريم: "الجنة تحت أقدام الأمهات"، ويقول: "اتقوا الله في الحرائر".

ولكن مشاركة المجتمعات العربية في احتفالات العالم بتكريم المرأة وتخصيص يوم لها إنما يأتي من باب التأكيد على قيمنا الدينية والاجتماعية التي تحض على احترامها وإكرامها، أُماً وأختاً وزوجة ورفيقة عمل.

ثقل الحمل على المرأة العربية أكثر من ذي قبل بعد أن اجتاحت المنطقة موجة العنف والحروب بالإضافة إلى ما تعانيه المرأة الفلسطينية، ومنذ نكبة عام 1948 واضطهاد الاحتلال وتحملها صدمات باستشهاد الابن والزوج والأخ، فإننا نرى اليوم بعد ما يجري في العراق وسورية وليبيا واليمن وغيرها، أنها لم تعد وحدها التي تعاني، بل باتت نساء هذه البلاد العربية يعانين أيضا. دون أن نغفل سلوكيات اجتماعية تتمثل في تعرضها للمهانة وسوء التقدير لجهل مازال يمارس ظلماً بحقها، ما يتطلب من الحكومات التدخل لحمايتها.

تشتت الأسر وفقدان كل ما تملك وسط هذه الحروب العشوائية خلق وضعاً مأساوياً للمرأة، فهي التي تتعرض للاغتصاب والعمل تحت ظروف غير إنسانية، وفي معسكرات التهجير تراها غريبة بلا زوج أو أخ في كثير من الحالات التي فقدت فيها كل عائل.

نتمنى للمرأة، رغم أن الأمنيات تبقى في الصدور، أن يأتي اليوم الذي تشعر فيه بأنها حرة كريمة لا تلاحقها العيون والنظرات الرخيصة، وأن تعطي مما أوكلت به من الحب والرحمة والحنان لك فرد في المجتمع بعد أن تكون قد أشبعت أبناءها وأهلها من هذا الدفق الرباني الذي وجد في طبيعتها وفي كيانها الإنساني.

نتمنى ألا يكتفي المجتمع الدولي بتلك المظاهر من الاحتفال بيوم المرأة العالمي، بل أن يكون حازما في تطبيق بنود المساواة بين المرأة والرجل في مستحقات الحياة الكريمة، وأن تتاح لها كما يتاح للرجل أن تعطي بحرية وبلا قيد من قدراتها وعلمها بلا عائق تحت أي مسمى رجعي في عالم مفتوح على العطاء والتقدم ويتطلع إلى المزيد من الحب والسلام.

على الجانب الآخر، ونحن نضم صوتنا لنصرة المرأة، فإننا نجد بعض النساء يتصرفن بسلوكيات تحط من قيمتهن في المجتمع، ومن الواجب على كل منهن أن تتحكم في سلوكياتها ولا تخضع لابتزار أصحاب النفوس الرخيصة حين يقدمونها في إعلانات تجارية بلباس فاضح وجسد عار مستظلة بحقها في المساواة، فدائما هناك حدود يجب المحافظة عليها لامعة ونظيفة!

(* كاتب فلسطيني ـ كندا)