للمرة الأولى يتلاقى المواطنون البسطاء في قرى ونجوع صعيد مصر بـ «مضامين السينما المستقلة»، من خلال تجربة شبابية ضمن برنامج «سينما في كل مكان»، ليتمكنوا من متابعة الأفلام عبر شاشات عرض في مساحات غير مخصصة للنشاطات الفنية، وبعيداً عن سلطة الجهات الرسمية وسيطرتها.

Ad

نقاد ومتخصصون أعربوا لـ «الجريدة» عن توقعاتهم للتجربة، معددين المعايير الحاكمة لنجاح الأمر من عدمه.

أعرب الناقد السينمائي طارق الشناوي عن سعادته البالغة بتجربة {سينما في كل مكان} في محافظات الصعيد، قائلاً: {أرى أن الأمل في تحركات فردية ومبادرات شخصية لا تنتظر الدولة وأجهزتها ومؤسساتها المترهلة، والتي غالباً ما تكون بطيئة وثقيلة ولا تنجح في إحداث أي مردود على تجربة تتبناها.»

الشناوي أعرب عن ثقته في أن يتفاعل الجماهير والمواطنون البسطاء في صعيد مصر مع التجربة بعيداً عن روتين الدولة، مؤكداً أن الإنسان عدو ما يجهل، وبمجرد أن تتضح الأمور أمامه وتعتاد عيناه على نوعية معينة من الفنون سريعاً ما يتجاوب معها ويسعى إلى معرفة كل جديد عنها.

وسرد الشناوي واقعة حدثت في نهاية الثمانينيات: {كانت محافظة الإسماعيلية تشهد مهرجاناً يرأسه الفنان كرم مطاوع الذي كان يشغل حينها رئيس المركز القومي للسينما، وكانت ثمة تحركات مشابهة لما يجري الآن في الصعيد، وكنا نتولى عرض الأفلام التسجيلية في {المقاهي الشعبية} والتي تعد تاريخياً أول ملتقى ثقافي فني، وكانت نتائج التجربة مبشرة وإيجابية}.

واختتم الشناوي بتوقعه أن تكون السينما المستقلة في مصر هي {المجد القادم}، على حد وصفه، وأعتبر أن القيمين عليها يخطون بشكل ثابت ناحية النجاح المبهر وغير المتوقع، مؤكداً أنهم تمكنوا من تشكيل شريحة عريضة من متابعيهم، وواصلوا طموحهم الآن إلى مساحات غير معتادة .

الكاتب والناقد رامي عبدالرازق أكد أن التجربة جيدة على مستويات عدة، وأن القيمين عليها يبذلون مجهوداً لم تستطع أن تجاريه الدولة بكل ما تملك من إمكانات وقدرات وعناصر بشرية وأمور «لوجيستية»، مشيراً إلى أن هذا الدور كان منوطاً بالأساس بالهيئة العامة لقصور الثقافة، والتي انسحبت تماماً، وأصابها العطب وأصبحت نشاطاتها «شبه منعدمة».

معايير النجاح

عدد عبدالرازق معايير نجاح مشروع «سينما في كل مكان»، قائلاً إن ثمة أموراً لو تحققت مجتمعة أو حتى أياً منها تحصد التجربة ثمارها، ذلك عبر الاستمرارية كأن تطول مدة عرض الأفلام، أو التمدد واتساع الرقعة كزيادة المحافظات التي تشهد العروض، كذلك توسيع شرائح المتلقين كألا يقتصر الأمر على الشباب، بل يمتد إلى النساء والمسنين والأطفال.

وتابع أن كثيراً من الفئات المستهدفة في صعيد مصر تعاني {الأمية السينمائية والدرامية}، مطالباً الشباب القيمين على التجربة بأن يمرروا للمتلقي أساسيات وقواعد تمكنه من تنمية {الذائقة} الموجودة لديه بالفطرة، كي ينتقل من مرحلة التعرف إلى المنتج إلى مرحلة ابتكار انحياز داخله إلى تلك النوعية من الفن، والحرص على متابعتها والبحث عنهاً. كذلك أشار إلى أن ثمة استعداداً عالياً لدى المصريين الآن لتلك اللحظة من التحول على مستوى الفنون.

عبد الرازق اختتم: {أتمنى لو أن أياً من المنتجين غير الاستهلاكيين والتجاريين، والذين أنتجوا سابقاً أفلاماً مستقلة، يلتفتوا إلى هذه التجرية ويدعموها، ليس شرطاً بالأموال، بل بالدعاية أو الدعم اللوجيستي، وعلى الفنانين الباحثين عن نوعية جيدة من الفنون أن يحضروا عروض هذه التجربة للمساهمة في دفعها والترويج لنشاطاتها}.

مؤسس المشروع وجيه اللقاني قال لـ{الجريدة} إن مجهوداته بدأت في عام 2013، واستهدف من خلالها تعريف المصريين بأنواع السينما غير المتداولة أو المشهورة بينهم، وبدأ في طرح نوعيات من الأفلام تختلف عن السينما المصرية المحلية التجارية والسينما الأميركية الاستهلاكية، وأشار إلى أن رد الفعل كان مفاجئاً بالنسبة إليه.

يتابع أن مرونة غير عادية أبداها المواطنون البسطاء مع ما نعرضه، حتى إن الأهالي في الصعيد لم يقتصر تفاعلهم معنا على مشاهدة الأفلام وبداية تذوقها، وإنما بدأوا في تخصيص مساحات لمساعدتنا على التوسع فيما نقدمه، وكان التفاعل {جيداً جداً}، وأثبت لنا أن الأفراد قادرون دوماً على التطور فنياً ما دامت أتيحت لهم الفرصة}.

وعن مساعي الدولة المشابهة ومساعدتها مشروعه، قال اللقاني: {ليس لدي موقف واضح تجاه هذا الأمر، ولا أعارض أي تعاون حتى لو مع جهات حكومية لإنجاح التجربة، ولكن الأمور حتى الآن بعيدة تماماً عن مؤسسات الحكومة وهيئاتها}، مشيراً إلى أنه في النهاية المطلوب إحداث تغيير لدى المتلقين عبر مناخ يشهد تحركات ذاتية ومجهودات فردية وأخرى رسمية.

وكشف اللقاني عن مشاريع جديدة أخرى جار التخطيط لها، لتشمل محافظات البلاد كافة، وسيكون غرضها أولاً وأخيراً نشر الفن في ربوع وطننا، وإحداث تغيير في منظومة العناصر البشرية عبر نوعية راقية من الفنون السينمائية.