برناديت حديب: قويّة وشرسة ولعوب في «غرام أو انتقام»

نشر في 31-03-2016 | 00:01
آخر تحديث 31-03-2016 | 00:01
No Image Caption
تؤدي الممثلة المسرحية برناديت حديب دور الماركيزة دي ميرتوي في مسرحية {غرام أو انتقام} المقتبسة عن النصّ العالمي Les Liaisons Dangereuses {العلاقات الخطرة} للكاتب الفرنسي بيير دي شودرلو لاكلو، مع الممثل والمخرج جو قديح وقد ساعدته في النص والترجمة ماري كريستين طياح.

أحدثت حديب في هذا الدور الجريء انقلاباً على شخصياتها السابقة. عن شخصيتها الجديدة والمسرحية تحدثت إلى «الجريدة»:

كيف تلّقف الجمهور جرأة مسرحية «غرام أو انتقام»؟

منذ بدء التحضيرات، وضعنا نصب أعيننا كيفية تقبّل الجمهور مضمون المسرحية. حرص كل من ماري كريستين طيّاح وجو قديح خلال لبننة النص والاقتباس على تقديم مضمون لا يخدش حياء المشاهد اللبناني، فضلاً عن أننا كممثلين (جو قديح، برونو طبّال، باتريسيا سميرة، صولانج ترك) عدّلنا أيضاً في بعض الأمور لئلا نخرج عن بيئتنا. على كلٍّ اختيار نص جريء مثل رواية «العلاقات الخطرة» المكتوبة في القرن الثامن عشر، هو جرأة بحد ذاتها. يمكن القول إن أكبر نسبة من الجمهور تجاوبت مع المسرحية وتقبّلت هذه الجرأة، والدليل تهنئتنا بعد انتهاء كل عرض، كما تهنئة أهل الاختصاص والإعلام.

هل يتأثر أداء الممثل بمدى تفاعل الجمهور؟

يتميّز المسرح بطاقة تنطلق من الممثل إلى الجمهور، ورد فعل الأخير الذي يعود بدوره إلى الممثل. صحيح أن ردّ فعل الجمهور يختلف من عرض إلى آخر، إلا أنه بمقدار ما يتفاعل معنا ويتلقفّنا نجود نحن في الأداء. عموماً، عندما يتبنى الممثل شخصية ما لا يمكنه التقاعس في تقديمها حتى لو كان رد فعل الجمهور ضعيفاً، بل على العكس، يستشرس في سبيل إيصال طاقته إليه، خصوصاً أن ثمة مشاهدين يحتاجون إلى وقت قبل الدخول في لعبة الأخذ والرد بينهم وبين الممثل على الخشبة، لذا أجتهد دائماً في سبيل تحطيم الجدار بيني وبين الجمهور ليتلقف طاقتي بأسرع وقت ممكن ويدخل إلى عمق اللعبة المسرحية.

لاحظنا أن ديكور المسرحية متواضع، فهل يفسح هذا الأمر في المجال أمام تسليط الضوء أكثر على الأداء؟

المسرح أولاً وأخيراً هو الممثل بحد ذاته. مهما كان الديكور ضخماً والإضاءة مبهرة والأزياء رائعة، إذا كان الممثل ضعيفاً ولم يستطع إيصال النص بأدائه والدخول في اللعبة المسرحية كما يجب، تنهار الأمور كلها حوله، لأن العناصر التي تحيط بالممثل على الخشبة هي لخدمته فحسب.

شخصيات معقّدة

يقدّم النص علاقات حبّ متخبّطة بين الانتقام والغريزة والحب الأفلاطوني، فأين يلتقي مع مجتمعنا؟

إنه نصّ عالمي قُدّم كعمل مسرحي في أكثر من 25 دولة، كما نُفّذ فيلماً سينمائياً بنسخ عدّة، لذا يمكن إسقاطه على أي مجتمع كونه نصّاً إنسانياً، وبالتالي يمكن أن يلامس أي مجتمع خصوصاً في مشاعر الحب والخيانة والانتقام الموجودة في أي مكان.  

هل وجدتم صعوبة في تحضير شخصيات معقّدة إلى هذه الدرجة؟

اقتصرت الصعوبة على تحضير النصوص في أثناء جلسات القراءة، ذلك لأننا عملنا على إحضارها إلينا لا العكس. لكن الانسجام بيننا كفريق عمل جعلنا في عملية تفاعل مشتركة لأجل بناء كل الشخصيات بالطريقة الصحيحة، خصوصاً أن لا أنانية بيننا. يحتاج أي دور إلى عمل وتحضير ودراسة لأجل بلوغ الشكل النهائي للشخصية المسرحية، إنما تتفاوت الصعوبة وفق تقارب أو تباعد فريق العمل، لهذا السبب لم نجد أي صعوبة وكان لدينا الوقت الكافي لإنجاز التحضيرات.

هل كسرت هذه الشخصية الصورة النمطية التي اعتدنا أن نراك فيها؟

ما حمسّني لأداء هذه المسرحية أنني قدّمت شخصية المرأة الضحية والمقهورة والعاقر والمريضة والمدافعة عن حقوق المرأة، لذا أحدث هذا الدور الأخير انقلاباً على أدواري السابقة كونه مختلفاً بجوانبه كافة، حيث أقدّم المرأة القوية الشرسة الشريرة والأنانية التي تتلاعب بالشخصيات كلها وتخرقها بمنطق إلغائي لتحقق هدفها.

أكّدت من خلال هذه الشخصية أن بإمكاننا الخروج من منظومة القولبة في دور معيّن حيث يضعنا بعض المخرجين والمنتجين. انطلقت بدور كوميدي واقتصرت بعدها أدواري المسرحية على الكوميديا السوداء، فلم يعد يُعرض عليّ دور كوميدي تلفزيوني مثلا، بل وُضعت في قالب أدوار صعبة ومرّكبة فحسب.

ألا يُفترض إعداد «كاستينغ» لاختيار الممثلين؟

موضوع «الكاستينغ» غير مطروح على الصعيد الدرامي بل يقتصر على أفلام السينما والمسرح، خصوصاً أن لكل مخرج درامي دائرة خاصة به، فإذا كنا خارجها نبقى من دون أي عرض عمل.

هل من حسابات أخرى غير الموهبة والخبرة في عملية توزيع الأدوار؟

طبعاً، لا ترتكز الغالبية على الموهبة والخبرات في توزيع الأدوار ولا تنظر إلى أصحاب الاختصاص، والدليل أن ثمة ممثلين يتمتعون بالخبرة والقيمة الفنيّة يعيشون عاطلين عن العمل، أليسوا أحق في التواجد في أعمال درامية بدلا من أولئك الذين نراهم يومياً عبر شاشاتنا؟ أفضّل صراحة البقاء خارج الحسابات الأخرى.

في داخل كل إنسان وجهان: خيّر وشرير. هل تستنبطين شخصياتك الدرامية من خلالهما أم تقومين بأبحاث معيّنة؟

لكل منّا مئة وجه، لأن كل شيء في الحياة يرتكز إلى فعل وردّ فعل، فنتصرّف وفق ما نتلقّى من الغير. أنا مثلاً لطيفة ومحبّة إنما أتحوّل إلى لبوة كاسرة إذا مسّ أحدهم ابني. كما أن المواقف التي يتعرّض لها الإنسان كفيلة باستخراج وجه معين من داخله. لذا أبحث في داخلي لأجل استخراج ما يناسب الشخصية التي أؤديها.

بعد سني الخبرة والعمل المسرحي، هل تختلف رهبة الوقوف على الخشبة؟

طبعاً. لكل مسرحية رهبة خاصة، لأننا نتواجه مع جمهور مختلف في كل مرّة وبالتالي تختلف ردود الفعل، فضلا عن تفاوت الأداء من عرض إلى آخر، كذلك المواجهة بيني وبين الممثل الآخر ومع الجمهور والديكور والملابس، خصوصاً أننا نتعرّض أحياناً لمواقف قبل العرض يتوّجب معالجتها سريعاً وهذه الأمور توترني جداً، إنما مجرّد أن أقف أمام الجمهور حتى أتقمّص الشخصية وأترك كل شيء خلفي.

هل ترافقك الشخصية عندما تغادرين الخشبة؟

عندما أخرج من المسرح أترك الشخصية هناك فلا أتّحد بها. أفضّل إبقاء مسافة بيني وبينها لأظلّ متحكمّة بها، لا العكس. أريد أن أبقى واعية لتفاصيلها كافة لتوجيهها بالشكل المناسب، بينما الاتحاد يفقدني السيطرة عليها ويشعرني بأن الشخصية غير صحيحة.

الدراما... والمجتمع والمرأة

هل الأعمال المسرحية راهناً أرقى برأيك مما يقدّم درامياً؟

صحيح. ثمة فورة مسرحية بغض النظر عن ماهية الأعمال المعروضة، وهذا أمر صحي لأنه دليل إلى تعطّش الجمهور لمشاهدة أعمال مسرحية أكثر.

هل تميل دفّة الدراما نحو الأعمال القيّمة أم السيئة؟

منذ فترة لا بأس بها اعتزلت متابعة الأعمال التلفزيونية عموماً والدرامية خصوصاً، لذا لا يمكنني الحكم من دون المواكبة. لكنني أسمع آراء من حولي وألمس ردّ الفعل عمّا يُعرض، ووجدت أن ثمة أعمالاً قيّمة وأخرى دون المستوى لكننا نحتاج إلى جهد إضافي بعد.

لماذا اعتزلت مشاهدة التلفزيون والدراما؟

لأن لا شيء يستأهل صراحة أن أضيّع وقتي لأجله في هذا الإطار. منذ انطلاقتي، اعتبرت نفسي ضيفة عند التلفزيون فلم أكن ممثلة درامية بل مسرحية. وحتى هذه اللحظة لم أندم يوماً على أي عمل مسرحي قدّمته، خصوصاً أنها نالت النجاح والضجة المناسبين. لذا أشعر بأن الوقت الذي أمنحه للمسرح يؤمن لي الأوكسجين والسعادة والعلاقة الصحيّة بيني وبين الجمهور الذي أحتكّ به. ما دمت وجدت اكتفاء فنياً في مكان ما لست مضطرة إلى الدخول في معمعة لا نعرف أولها من آخرها.

برأيك أين مكامن الضعف في الدراما؟

الدراما التلفزيونية صناعة يجب أن تتكامل عناصرها لئلا تبقى ضعيفة. بدءاً من النصوص التي لا تشبهنا أبداً ولا تحاكي واقعنا بل تم إسقاطها علينا، مروراً بمسلسلات متشابهة في القصّة ومواقع التصوير فيقتصر التغيير على صعيد الممثلين. لدينا مشكلات اجتماعية كبيرة جداً بعيداً من المخدرات والدعارة والطبقة الأرستقراطية وثمة قسم من المجتمع مهمّش درامياً، وهو أمر غير صحّي. فضلاً عن أن ثمة محطات غير مكترثة بتسليط الضوء على مشكلات مجتمعنا وهمّها الوحيد عرض المفاتن وإظهار أن حياتنا الاجتماعية رائعة في البلد، وهو أمر غير صحيح. عندما نشعر بأن أعمالنا لا تواكبنا اجتماعياً يحصل شرخ، وتفقد بالتالي قيمتها.

ألم تؤدِ الأعمال العربية المشتركة دوراً في إحداث هذا الشرخ خصوصاً أنها تفرض مضموناً لا يدخل في التفاصيل الاجتماعية لأي بلد؟

يفرض العمل المتكامل نفسه على المشاهد. إلى ذلك لا يمكن الاستناد إلى نسبة المشاهدين في شهر رمضان أولاً بسبب كثافة المسلسلات، وثانياً لأن الجمهور يشاهد أي عمل معروض عليه بغض النظر عن مستوى الأداء.

انطلاقاً من فيلم «بالقانون» الذي عالج مشكلة تعنيف المرأة، كيف تنظرين إلى واقعها في عالمنا العربي؟

يجب أن تثور على واقعها وبيئتها لتبلغ مرحلة فرض احترامها من الغير، لأنها عندما تتقبّل الأذى والقمع والتعنيف وتبرر ما حصل معها، تضع نفسها في دائرة الخطر وتحت ظروف اجتماعية غير مقبولة. فإذا لم تسلّط المرأة الضوء على مشكلتها وتثور على قامعها ستبقى في مكانها. ثمة نساء يُقتلن ويُعنّفن سرعان ما ينسى الناس قصّتهن، لذا لا بد من المتابعة والإصرار على نيل المرأة حقوقها وبلوغ حياة أفضل. ما زلنا غير قادرين على التعبير عن أنفسنا، ذلك لأن المرأة للأسف تخجل من الكشف عمّا تتعرض له كما تخشى كلام المجتمع، فيما يجب أن تدافع عن نفسها أولاً ليقف المجتمع مدافعاً عنها. من هنا ثمة حملات توعية للخروج من الجهل الذي نعيش فيه.

back to top