لو كان عربياً
![حسن العيسى](https://www.aljarida.com/uploads/authors/25_1682522445.jpg)
عند سارتر مهمة الكاتب أن يكون ملتزماً بالحقيقة كما يراها، حين يكون هذا الإنسان أو الكاتب ليس صاحب نية سيئة، "باد فيث" Bad faith، هنا ليست بالمعنى القانوني لهذا التعبير، وإنما بمعنى "خداع الذات"، فنحن نخدع ذواتنا عندما نقنع أنفسنا بمعتقدات مريحة كي نسلك سكة السلامة فكراً وسلوكاً، فمثلاً حين أقرر أن شخصاً ما (مثلاً الرسام عمر عريمان) خرق قانوناً كقانون أمن الدولة أو إتلاف الأموال العامة، وبالتالي فهو يستحق العقوبة، رغم اعتقادي أن هذا القانون (أو غيره من قوانين) هو قانون جائر وينتهك حقوق الإنسان خصوصاً حين يكون هناك نوع من الانتقائية بتفعيل نصوصه، عندها أكون صاحب نية سيئة، حسب مفهوم سارتر، فأنا أعلم الحقيقة ومع ذلك التفت عنها، وأساير (ربما) السلطة السياسية أو الاجتماعية، واستعمل عبارات مبهمة وغامضة كي أتجنب المواجهة المكلفة.لو تأملنا قليلاً مثل الأنظمة العربية التي عادت إليها الروح بعد قمع ثورة الربيع العربي، هل يمكن أن نجد روحاً متمردة رافضة مثل سارتر (رغم التحفظ عن مواقفه في القضية الفلسطينية)؟! لو حدث أن لدينا سارتر عربياً أو خليجياً، هل يقدر لهذا الفيلسوف أن يكتب عن الوجودية وعن الحرية، وعن العبث، والالتزام، والقمع والتمييز العنصري، ويناضل من أجل قناعته دون ملاحقة السلطة السياسية القمعية أو السلطة الاجتماعية المنغلقة...؟ هل نتخيل مثل هذا؟ أم أن سارتر ما كان ليوجد لولا ديغول مثلاً؟ وقبل ديغول مناخ ثقافة الحرية بفرنسا وأوروبا بوجه عام... لنتذكر الآن كثيراً من المناضلين عندنا الذين انتهوا بالسجون أو الطرد من أوطانهم... وانتهت حرياتهم، وانتهت الحرية "السارترية"... ورغم ذلك يبقى هناك أمل بالمشاغبين حين يخرجون عن طوع السلطة ناشرين كلمة "لا" كبيرة في ثقافة الجمهور الخاملة.