في صمت يليق به، وفي هدوء، ومن دون ضجيج، فاجأنا الناقد والباحث والمخرج التسجيلي هاشم النحاس بكتاب ضخم يحمل عنوان «عاطف الطيب رائد الواقعية المصرية المباشرة» يُعد إضافة حقيقية إلى المكتبة العربية وإثراء جميلاً لها.

Ad

الكتاب من الحجم الكبير، يتكون من 389 صفحة، صادر عن المجلس الأعلى للثقافة، الذي يدعم الأفكار الجادة، ويُلقي الضوء على اتجاهات ومذاهب فكرية مختلفة. وبدأ الباحث الكبير كتابه بشكر كل من عاونه في إنجاز مشروعه، وبتواضع الزاهد، وسمة العالم، كتب يقول: «ولم يكن لي إنجازه دون معاونتهم». وقبل أن يبرر الباحث السبب في إطلاق وصف «المباشرة» على «واقعية عاطف الطيب» ويردها إلى: (آنية الأحداث، المكان/ الزمان، المشكلة المعاصرة، الذاتية، الجرأة النقدية، إيجابية الشخصية وشهامة ابن البلد)، سجل في المقدمة: «حرصت أن يكون الكتاب مرجعاً وافياً يضم خلاصة كل ما كتب عن عاطف الطيب وأعماله»، وكشف عن المنهج أو «التكنيك» الذي اتبعه عند الشروع في إعداد الكتاب قائلاً: «كلفني ذلك الاطلاع على كل الملفات الموجودة في المركز الكاثوليكي المصري للسينما ومثيلاتها في مركز الثقافة السينمائية، فضلاً عن الكتب الصادرة عن عاطف الطيب». وأضاف: «لتحقيق أكبر قدر من الموضوعية في عرض الأفلام لم ألجأ إلى تلخيص قصصها مما يسمح بالتدخل الذاتي في صياغتها، وإنما لجأت إلى تسجيل تتابع المشاهد المهمة لكل فيلم، وهو ما جعلني أعيد مشاهدة الأفلام واحداً بعد الآخر مستعيناً بوسائل العرض المنزلية الحديثة، ولعل تسجيل مشاهد الفيلم – كما ظهرت على الشاشة – يجعل الفيلم حاضراً أمام القارئ بصورته على شرائط السيلولويد الأمر الذي يسمح للقارئ – أكثر من الملخص - بتكوين رأيه الخاص عن بناء الفيلم وبالتالي يسمح له بمناقشة مصداقية ما ذهبت إليه وذهب إليه النقاد من ملاحظات أو آراء نقدية تحليلية».  

  فعل «النحاس» هذا وفي ذهنه أن يقدم كتاباً للقارئ المثقف العام وليس القارئ المتخصص، سواء كان مؤرخاً أو ناقداً أو دارساً للسينما أو متذوقاً، ولهذا السبب نجح في تقديم كتاب بسيط في توجهه، عميق في رؤيته، سلس في لغته، وشامل في المعلومات التي تضمنها، إذ لم يترك مرحلة تخص المخرج الموهوب عاطف الطيب من دون أن يتطرق إليها، منذ لحظة ميلاده في 26 ديسمبر عام 1926 بقرية الشارونية مركز المراغة بمحافظة سوهاج (صعيد مصر) إلى اليوم الذي لفظ فيه أنفاسه في 23 يونيو عام 1995 عن عمر يناهز السبعة وأربعين عاماً أنجز خلالها 21 فيلماً، بعد التحاقه بالمعهد العالي للسينما، وعمل خلالها كمساعد لمخرجين أمثال: مدحت بكير، شادي عبد السلام، يوسف شاهين ومحمد شبل، فضلاً عن المخرجين الأجانب، أمثال: لويس جلبرت، جون جيلر، مايكل بانويل، فيليب ليلوك وفرانكلين شاخر. ومنهم اكتسب صفات ومهارات كثيرة، على رأسها إدارة العمل في موقع الفيلم، والتحكم في أوقات التصوير، والقدرة الفائقة على عدم تجاوز الميزانية والالتزام الصارم بالجدول الزمني المتفق عليه، وأخلاقيات التعامل مع الممثلين بشكل يجمع بين اللين والحزم إذا اقتضى الأمر.

نوه النحاس إلى تعلق «الطيب» بعائلته، وتطرق إلى شركة «الصحبة» التي أسسها مع رفاقه: بشير الديك، محمد خان ونادية شكري، وأنتجت فيلم «الحريف» إخراج محمد خان، وكان «الطيب» المسؤول الإداري عن الإنتاج والتنفيذ. كذلك توقف الكتاب عند اليوم الذي عرف فيه مخرجنا الواعد بأنه مريض بالقلب (كان الباحث أميناً في التنويه إلى الكاتب الصحافي يسري الفخراني صاحب المعلومة)، وتطرّق إلى مشاكله مع الرقابة بسبب تناوله في أفلامه قضايا حساسة مثل: الدين، تزييف الوعي الديني، ابتزاز البسطاء باسم الدين، فساد جهاز الشرطة، تلفيق التهم للأبرياء، تعذيب المعتقلين السياسيين والتعرض لفساد جهاز المخابرات. ورصد الكتاب أيضاً الجوائز التي حصدها «الطيب» طوال مشواره السينمائي، والتي حصل عليها أبطال أفلامه.

جاءت عناوين أبواب كتاب «عاطف الطيب رائد الواقعية المصرية المباشرة» ملخصة لرأي الباحث في المخرج، والحب الذي يكنه تجاهه، مثل: «مخرج عظيم»، «رائد الواقعية المباشرة» و»المخرج الإنسان». لكن أهمية الكتاب تكمن، بحق، في رصد وتوثيق الأفلام التي أخرجها «الطيب» منذ أول أفلامه «الغيرة القاتلة» (عُرض في 24 مايو 1982)، وحتى آخر أفلامه «جبر الخواطر» (عُرض في 18 مايو 1998)، وما كتبه النقاد عقب عرض تلك الأفلام، سواء في الباب الذي يحمل عنوان «رؤى نقدية مقارنة» أو «عن قرب رؤى تحليلية»، وإن كنت لا أرى الفارق بينهما، وكشف طريقة تعامل «الطيب» مع موضوعات أفلامه تحت عنوان «كيف يصنع الطيب أفلامه». والخلاصة أننا حيال كتاب يحاكي الأفلام في إثارته وتشويقه!