يسعد الإنسان كلما حقق نصرا على الطبيعة أو اكتشف ما يفيد من أدوات تؤدي إلى إصلاح حاله وتيسير أمور حياته، لكنه يصحو فجأة على غير ما توقع حين تبدأ هذه الاكتشافات تسيطر على كل خلجاته وتصيب مشاعره الإنسانية ليرفع صوته مستنجدا مما صنعت يداه وعقله الجبار.
في بداية الخليقة، كما وصلتنا الروايات وصدقت عليها الكتب السماوية، وقع "قابيل" في مأزق وحيرة مع نفسه بعد أن قتل أخاه هابيل، لأن الله تقبل من الأخير قربانه ولم يتقبل منه، فعجز الأول عن التصرف بجثة أخيه التي بقيت ملقاة على الأرض إلى أن جاء غراب يحفر في الأرض ليواريها، الأمر الذي أيقظ في نفس قابيل شعورا لم يعرفه من قبل، إذ كان ما فعله الغراب أول ما لفت نظره وحرك وجدانه وعقله ليبدأ مرحلة جديدة من تشغيل العقل بما ينفع ويفيد.وُجــِدَ العقل والإحساس مع الإنسان منذ خلقه الله واكتسب مهارات ومعارف فرضتها الحاجة واستخدامها، وإنسان الكهف البدائي بحجمه الضخم كما وصفه علماء الآثار والذي كانت تحيط به الطبيعة وضواري الوحوش الضخمة أيضا لم يكن بقادر على مواجهتها دون أدوات تعينه على ذلك، فبدأ باستخدام ما في الطبيعة من فروع الأشجار والحجارة والصخور الصلبة لصنع أدوات، وتكللت مثابرته في البحث عن اكتشاف "الاحتكاك" لتوليد النار التي كانت تحولا كبيرا ومهماً في حياة البشر، وما كان يجدها إلا حين تصنعها الطبيعة من حوله وسرعان ما تموت.تطور العقل البشري عند هذا الإنسان البدائي بالتحايل على الوحوش والطبيعة الكثيرة الأسرار من حوله فرسمها على جدران كهفه، ومع مرور الوقت استأنسها وتآلف معها، فغابت الرهبة في نفسه منها وأصبح أكثر شجاعة على مواجهتها والتصدي لها، فبدأ مرحلة جديدة بالخروج إليها ليصطاد منها، ويستخدم النار التي اكتشف السبيل إليها في الطهو بعد أن صنع أدواته من الحجارة وجلود هذه الحيوانات وغيرها.استقرار الإنسان حول الأنهار وبجوار الشواطئ وفّر له فرصاً كثيرة ليجدد أدواته لاستخدامها في الزراعة والصيد وصنع السفن، وبدأت مسيرة تطور سريعة مع اتساع المساحات وعدد البشر الذين شغلوها. في عصرنا الحديث أصبح الإنسان أكثر التصاقاً بأدواته الجديدة السريعة الاستجابة لرغباته وقضاء حاجاته وإنجاز أعماله بسرعة سعد بها، إلا أن هذه المنجزات الرائعة والمفيدة قد انتبه لها علماء النفس والباحثون، وبدأوا ينبهون إلى خطورتها على المشاعر الإنسانية والعلاقات الاجتماعية التي تأثرت بوجودها.لا يتسع المجال هنا كي نسرد تفاصيل عمل كل أداة مما هو تحت أيدينا ونستخدمه، كما أننا نعتقد أن هناك الكثير منها مازال في أدراج أصحاب القرار لم يسمح له أن يكون في متناول العامة، وسيبقى مدة أطول ضمن أسرار أصحابه، ولعل هذا غير المعلوم لدينا الآن يكون أكثر تطوراً وأكثر فائدة، إلا في حال نتخوف منها، وهي أن يقضي على ما تبقى من مشاعر إنسانية وعلاقات اجتماعية.أخبار هذه الاختراعات تقول: "على مدى سنوات عمل باحثون يابانيون على تطوير روبوتات تفهم أحاسيس البشر لتكون أكثر قبولاً اجتماعياً، وفي هذا الإطار برز روبوت "بيبر"، الذي يتمتع بالقدرة على قراءة الإيماءات والتعرّف إلى تعابير الوجه المختلفة ونبرات الصوت المتعدّدة، ثم يمكنه أن يحلّلها من خلال برنامج الذكاء الاصطناعي، أو "محرّك العواطف"، ليقوم بتحديد الردّ أو التصرّف المناسب". انتهى الخبر.فهل نحن مقبلون على قتل ما تبقى من المشاعر الإنسانية أم على ادخارها لوقت الحاجة؟! وماذا لو أن العلماء ظهروا علينا باختراع "شريحة" مبرمجة توضع في مكان ما داخل جسم الإنسان تقوم بكل وظائفه الحيوية "الحب والكراهية" وتشعل غرائزه وربما القدرة على الإنجاب؟! ولمَ لا، ونحن نعيش عصرا لم تعد هناك خطوط حمراء محظور تجاوزها ولم تعد هناك أبواب مغلقة، وبات كل تصور مفتوحاً على احتمال جديد!* كاتب فلسطيني - كندا
مقالات - اضافات
شريحة الحب والكراهية!
27-02-2016