تشمل مزايا الانتفاضات السياسية خلال الحملة الرئاسية الراهنة إرغامها كلا الحزبين على مواجهة أسئلة صعبة يفضّل معظم السياسيين الأساسيين تفاديها عموماً، فعلى جبهة السياسة الداخلية تمحورت المسألة التي عجز السياسيون عن تجنبها حول مأساة الطبقة الوسطى العاملة، أما في مجال السياسة الخارجية، فكان السؤال الذي لا مفر منه: ما العمل في الشرق الأوسط؟ يرتبط هذا السؤال ارتباطاً وثيقاً بالمناظرة التي ما زالت دائرةً حول الحرب في العراق ومدى صوابها.
صحيح أن دونالد ترامب طرح بعدائية بعض النقاط بشأن العراق، متهماً الرئيس السابق جورج بوش الابن بالكذب بشأن أسلحة الدمار الشامل التي امتلكها صدام حسين، إلا أنه وضع إصبعه على الجرح بالنسبة إلى الجمهوريين. وإلى أن يتمكن المحافظون من التخلص من طيف "بانكو" هذا عن الطاولة، سيبقون مطارَدين، منقسمين، وعاجزين عن تقديم بديل ناجح، ولكن كما لاحظ مايكل وارن، تشكّل نسخة ترامب نسخة "وردية حالمة" من حرب العراق.لكن الأكثر عمقاً وتأصلاً من رواية "سماح بوش بموت الناس" هذه صورة "الحرب الغبية" التي يستعملها أوباما، فباستثناء مَن يُعتبرون شديدي الوفاء لبوش قلما يرفض الجمهوريون والمحافظون فكرة أن الإطاحة بصدام من السلطة في بغداد شكّلت إخفاقاً استراتيجياً فادحاً، حتى إنهم يقرون أحياناً بهذا الواقع صراحةً، كذلك لم نشهد بعد هذه الحرب "نزعة تحريفية" كتلك التي أعادت إحياء المناظرة بشأن حرب فيتنام في عهد ريغان، أو ما يشبه دفاع المؤرخ لويس سورلي عن مقاربة الجنرال كريتون أبرامز لمحاربة التمرد في كتابه A Better War (حرب أفضل).نتيجة لذلك، مثّلت ردود عدد من المرشحين على هجمات ترامب عوارض "متلازمة العراق" هذه. صحيح أن جيب بوش سارع إلى حماية عائلته، إلا أنه لم يدافع عن سياسات أخيه، فعندما سئل عن العراق، أجاب جيب: "نظراً إلى ما نعرفه اليوم، ما كنت لأقبل بخوض حرب العراق".لكن نعرف اليوم أيضاً أن الانسحاب من العراق شكل خطأ استراتيجياً أكبر، مقارنة بالاحتلال غير المدروس بعد الغزو الذي أطاح بصدام، ويُعتبر مفهوم ترامب عن أن الحاكم المستبد العراقي "كان يقتل الإرهابيين" سخيفاً، فكان صدام نفسه إرهابياً، والأهم من ذلك واقع أن قرار الرئيس أوباما "إنهاء" التدخل الأميركي سرّع الانهيار العام لنفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فشكّل هذا الانهيار بدوره إطاراً عاماً للقلق الدولي المتنامي بشأن استعدادنا وقدرتنا على الحفاظ على دورنا القيادي العالمي، وتحصد أوروبا زوبعة انسحاب أوباما، في حين يتساءل الآسيويون الشرقيون عما تعنيه "الخطوط الحمراء" الأميركية راهناً.إذاً، تجعل إخفاقات أوباما المناظرة بشأن العراق أكثر أهمية، وتبرز ضرورة مناقشتها بعمق وتأمل، ولا شك أن الرئيس بوش وقادة جيشه ارتكبوا أخطاء كبيرة كان من الممكن تفاديها في سلوكهم في هذه الحرب، لكن كل مَن يملك فهماً تاريخياً واسعاً يدرك أن هذه هي الحرب، ومن الأكثر ندرة بعد أن يقر الحاكم بأخطائها ويصححها، كما فعل بوش مع عملية "زيادة عدد الجنود" عام 2007، وهكذا لم تكن هذه "حرباً أفضل" فحسب، بل أدت أيضاً إلى ما يكفي من النجاحات لتمهد الطريق أمام نصر أكبر وتوازن قوى مؤاتٍ في منطقة الشرق الأوسط.خلاصة القول، على الجمهوريين أن يسعوا وراء مناظرة العراق بدل أن يتفادوها، فقد تشكل هذه أولاً وسيلة لتهميش ترامب وإعادة مَن وصفهم والتر راسل ميد بالعنصر الوطني "اليعقوبي" (أولئك الذين يكرهون، بالإضافة إلى استيائهم من فساد النخبة، فكرة أن يذر سائر العالم الرماد في عيني الولايات المتحدة) إلى الائتلاف المحافظ. علاوة على ذلك، من المهم إعادة وضع هذه المسألة في إطارها الصحيح خلال السباق الرئاسي، خصوصاً إن كانت هيلاري كلينتون المرشح الديمقراطي، فيكشف موقفها "أيدته قبل أن أعارضه" أنها تملك "خبرة" واسعة، إلا أنها لم تتعلم منها.إذاً، يتبين أن "متلازمة العراق" خلال عهد أوباما شكلت عقبة أمام ممارسة الولايات المتحدة نفوذها وقيادتها التقليديين فاقت عقبة "متلازمة فيتنام" خلال عهدَي فورد أو كارتر. اعتقد رونالد ريغان أنه كان بالإمكان تحقيق النصر في فيتنام، واعتبر دوماً أن التضحية الأميركية في ذلك البلد لم تكن منافية للأخلاق أو متهورة، بل جاءت في سبيل "قضية نبيلة"، ونتيجة لذلك شعر أن عليه النضال في سبيل الماضي، إن أراد الفوز بالمستقبل، فأي من ورثته المحتملين سيقوم بأمر مماثل؟* توماس دونلي
مقالات
تحمّل مسؤولية العراق
22-02-2016