«الصراط المستقيم»!
![مجدي الطيب](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1458322261627985900/1458322269000/1280x960.jpg)
فيلم يحتاج إلى قدر من الانتباه والتركيز، ومتابعة التفاصيل ثم تجميعها، كي يمكن للمتلقي الوصول إلى ما أراده الفيلم، فالمونتاج المتوازي يرصد لنا صلاة الرجل الأمني، وآخر تبدو على ملامحه التطرف، وبعدها مباشرة يزلزل الحي اللبناني تكبير يصاحبه صليل الصوارم (نشيد داعش)، في إعلان مباغت بوصول أفراد التنظيم على متن شاحنة ضخمة، ويؤدي التصوير (كاميرا وسيم نحرة ) دوراً كبيراً في تسليط الضوء على الكارثة المروعة، سواء من الوضع الأفقي للكاميرا، أو الزاوية الرائعة للرجل الأمني، وهو يرقب من خلف ستار شقته الفوضى العارمة التي حلت بالمكان، على أيدي الداعشيين؛ حيث سبي النساء والإلقاء بهن في أرضية الشاحنة، وتغطيتهن بملاءة سوداء لا تحجب أصواتهن المرعبة، بينما يتولى فصيل آخر من «البرابرة الجدد» إهدار دماء الرجال، وقتلهم رمياً بالرصاص، وقبل مغادرة الحي بالسبايا والغنائم يقدم المخرجان لقطة عابرة لأحد الإرهابيين، وهو يُشير إلى شرفة الرجل الأمني، في ما يعني أنه يشي بموقعه الأمني. وفي واحدة من أكثر اللقطات الصادمة في تاريخ السينما العالمية، يتجه الرجل إلى اللوحة الكهربائية، ويجمع زوجته الحامل وطفلتيه في حضنه ويفجر البناية قبل لحظات من اقتحام «الدواعش» للمكان!فيلم صادم ومروع لم تتجاوز مدة عرضه على الشاشة 15 دقيقة، لكنه قال كل ما عنده، بفضل التكثيف والإيجاز وبراعة السرد السينمائي، فالآية القرآنية تؤكد قدرة الله على تسخير الشمس والقمر وجريانهما للأجل المرسوم لهما، كما تؤكد على وحدانية الله عز وجل، الذي لا ينبغي أن يُشاركه في ملكه وسلطانه أحد أو جماعة، وكأن المخرجين يفندان مزاعم الجماعات المتمسحة بالدين، عبر القول إن الدين بريء منكم، ومن أفعالكم المنحطة، وهي المرة الأولى – في ما أزعم – التي تتناول فيها السينما العربية، وربما العالمية، صورة التنظيم المسمى «داعش»، ووصف أهواله وأفعاله التي تثير الرعب والفزع، وتسيء إلى صورة المسلمين، وتشوه الدين الإسلامي!من هنا كنت أتمنى لو أن إنتاج فيلم «الصراط المستقيم» كان عربياً خالصاً، ولم تُشارك سويسرا في إنتاجه، ليتمتع برؤية مستقلة، ويتبنى موقفاً لا تطارده شبهات من أي نوع، والأهم ألا يتشكك أحد في رؤيته، ويتهم أصحابه بالإساءة إلى «الإسلام»، ومن ثم تتراجع أهميته، وجرأة طرحه، والسبق الذي حققه في تناول هذه القضية الشائكة والخطيرة، التي تتعاظم أهميتها عندما نُقارنها بما قدمته السينما المصرية عام 1943 في فيلم يحمل عنوان «الطريق المستقيم» من تأليف يوسف وهبي وإخراج توجو مزراحي، وكانت أحداثه تدور حول رجل يحب أسرته ويتفانى في رعايتهم، ويعيش حياته سائراً على الطريق المستقيم، قبل أن تعترضه امرأة توقعه في حبائلها، فيهمل عمله، وتنقلب حياته، وتأخذه بعيداً عن أسرته، إلى أن ينتهي به الأمر إلى قتلها.. ويا له من فارق شاسع بين الفيلمين... والزمنين!