شهدت مدينة الرياض يوم الخميس الماضي انطلاق النسخة الجديدة من فعاليات معرضها الدولي للكتاب الذي سيستمر حتى يوم السبت القادم حاملا شعار "الكتاب.. ذاكرة لا تشيخ"، وقد تسنت لي الفرصة لحضور أول أيام المعرض بدعوة كريمة من وزارة الثقافة والإعلام السعودية ورؤية معرض الرياض على الطبيعة، وكذلك معاينة بعض الأعمال الكويتية الممنوعة، وهي معروضة قرب "الكاشير" لتسهيل عملية بيعها.
إن أول ما أعتبره فائدة عملية هو الاحتكاك المباشر مع مجموعة كبيرة من المبدعين السعوديين في مختلف المجالات، والاطلاع المباشر على نتاجاتهم التي أخذنا منها ما يكفي "شعراً ورواية ونقداً ودراسات أدبية" لتكوين صورة عملية متجددة عن المشهد الثقافي في السعودية.الأمر اللافت الذي تكرر معي هو سؤالي عن تقييمي الشخصي لمستوى معرض الرياض الدولي للكتاب والفعاليات المصاحبة له، وهو سؤال طرح بجدية تتجاوز الروتينية المعتادة، وكان جوابي الذي استبعد جدول الفعاليات المصاحبة لمحدودية مدة وجودي في المعرض، يرتكز على عدة ملاحظات ثابتة لن تتغير طوال أيام المعرض أذكر منها.أن وجود صالة واحدة تستوعب جميع الجهات المشاركة في المعرض أمر أعتبره جيدا لضبط ميزان الحضور وتوزيع الحركة على بقية أجزاء المكان، كما أدت السعة المكانية للممرات التي ربما جاءت على حساب مساحة أجنحة المعرض دورا في انسيابية تلك العملية، الملاحظة الثانية التي أعتبرها قضية خلافية لأنها تقع بين التنظيم والعدالة هي "التوزيعة" حسب الجنسية، ففي معرض الرياض لا توجد أمكنة أو خطوط تخصص لأجنحة لدولة بعينها، والأمر خاضع لمعايير أخرى مثل القرعة، جعلت معظم أجزاء صالة المعرض قابلة للزيارة بدلا من التكدس في مكان واحد، وهنا تجدر الإشارة لوجود صالة أخرى لم أكتشفها في الفترة الصباحية، وقادني إليها الأستاذ محمد العباس الكاتب والناقد السعودي المعروف، تلك القاعة جهزت فيها منصة بارزة تقام فيها حصريا جميع حفلات توقيع الكتب وفق جدول سبق الإعلان عنه. الملاحظة الثالثة التي أعتقد أنها متشابكة مع ما سبق لأنها تقدم خدمة نوعية للاستدلال السريع لأي جناح مستهدف إلى جانب الخرائط التي توزع هي "ثقافة المكان"، حيث استحضرت إدارة معرض الرياض الدولي للكتاب أسماء الأحياء والأسواق والشوارع الشهيرة من منطقة وسط الرياض التاريخية، وقامت بتوزيعها على هيئة أقواس وعلامات استرشادية، فمثلا "سوق الهدم" يوصلني مباشرة لجناح المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، أما "حي المعيقيلية وشارع آل سويلم وسوق الزل وقصر خريمس وقيصرية ابن كليب... إلخ"، فلكل واحد قصة مختلفة.عودة إلى الفائدة العملية، فلو أردت الالتقاء بهذا الكم من المبدعين من السعودية فلن يكون غير معرض الرياض هو الفرصة لجمعهم في مكان واحد، أولهم الشاعر المخضرم عبدالله الصيخان ابن تبوك، الثاني من جازان الشاعر والمترجم حسن أحمد الصلهبي الذي أعجبتني قصيدته "خائنة الشبه"، يقول في مطلعها:أغوتك خائنة الشبهينأى... أتدرك أقربه؟تسري... يذيلك السرابيقال: إنك مشتبهومن الباحة تعرفت على الشاعر محمد إبراهيم يعقوب صاحب ديوان "ليس يعنيني كثيرا"، يقول يعقوب في قصيدة "الأغاني لا تخون": "سر في الأغاني مرة..لا تلتفت أبدا لتاريخ الزجاجفلا يشف عن الغياب سوىوأنت تعرف من تكون...".أما القطيف فلم يتركني الشاعر ناجي حرابة إلا وتذكاره منها يرافقني في رحلة العودة وهو ديوان "عثرات الكمان"، وبحكم العادة جذبني الشعر السياسي نحو قصيدته "مصر أحلى الآن" يقول في شطر منها:أنت الأرضوصاح الشارع المثخن بالصمتوسالت غضبة الثوارفاهتز المدىوانهد العرشومع عازف شجن، الشاعر والقصاص سيف سعد المرواني، أحسست بأنينه الصادق وقوة عناده عندما أخذ يقول:أنا نسيج من حزن وفرحخليط من تعب وألمولكني هارب إلى مسارات السروروعاشق لشلالات الأملفي الختام فلا بد من توجيه الشكر إلى وزارة الثقافة والإعلام السعودية، ولجانها المنظمة، وإدارة معرض الرياض الدولي للكتاب على إتاحتهم الفرصة لي كي أرى مدينة الرياض من زاوية مختلفة وجميلة، وبهذه المناسبة لن أنسى جلسات الحوار المكثفة التي بدأت واستقر لها الدوام في المحطات الموعودة مع كل من الأصدقاء محمد العباس وعلي النحوي وأحمد اللهيب وكبيرهم محمد الجلواح، أما جاسم الصحيح فلن ينال مني شيئا حتى يدفع ما عليه قصيدة أو وجبة من دجاج فقيه.
مقالات
الأغلبية الصامتة: الكتاب... ذاكرة لا تشيخ
17-03-2016