أمرٌ طبيعيٌّ ومسألة عادية أنه، عندما يقول الرئيس باراك أوباما في خطاب "حال الاتحاد"، وهو آخر خطاب له، أن الولايات المتحدة أقوى دولة في العالم، وهذا صحيح، ثم يكمل: "لكنها لن تتدخل في صراعات الشرق الأوسط وبخاصة في سورية، أن يكون الرد الإيراني بمسرحية اختطاف جنود البحرية الأميركية، لا لأن زوْرقيهم دخلا مياه إيران الإقليمية بل "لتلقين مثيري المشاكل في الكونغرس الأميركي درساً" كما قال قائد البحرية الإيرانية الجنرال علي فدوي.

Ad

"من يهُن يسهل الهوان عليه"... فالمؤكد أن الإيرانيين لو كانوا يعرفون أن الولايات المتحدة "الدولة الأقوى في العالم" قد تستخدم هذه القوة ضدهم أو ضد غيرهم مادام رئيسها هو هذا الرئيس، لما تجرأوا على فعل ما فعلوه واقتياد جنود بحريتها كالخراف والاحتفاظ بهم كأسرى ليلة كاملة ليس لأنهم دخلوا المياه الإقليمية الإيرانية، بل لتلقين مثيري الشغب في الكونغرس درساً حتى لا يبقوا يستهدفون إيران بتهديداتهم.

والأنكى أنَّ "البنتاغون"، بدل أنْ يتخذ موقفاً يجعل فرائص جنرالات حراس الثورة الإيرانية ترتعد خوفاً وهلعاً، لم يكتف بشكر الإيرانيين لأن جنود البحرية الأميركية المختطفين عنوة وبقوة السلاح "لم يتعرضوا للأذى" بل بادر إلى تقديم اعتذار لإيران، وبتعهد بعدم تكرار هذه الأخطاء الشنيعة، ثم فوق هذا فإن وزير خارجية "أقوى دولة في العالم" قد عبَّر عن امتنانه لقبول طهران حلّ هذا الإشكال بالأساليب الدبلوماسية.

وأيضاً، فقد كان غير مستغرب أن يعلن قائد حراس الثورة الجنرال محمد علي جعفري، عندما يسمع تأكيدات باراك أوباما في خطاب "حال الاتحاد" بأن الولايات المتحدة لن تتدخل في صراعات الشرق الأوسط وبخاصة في سورية، عن تدريب وإعداد 200.000 من الشبان الإيرانيين وربما غير الإيرانيين وإرسالهم إلى العراق وسورية واليمن وباكستان وأفغانستان، وهذا يعني أن الصواب لم يحالف الذين اعتقدوا أن إيران، بعدما تلقت تلك الصفعة القوية بعد اعتدائها السافر على البعثات الدبلوماسية السعودية، سوف تعدّ إلى العشرة وسوف تبادر إلى وضع حدٍّ لتصعيدها المستمر والمتواصل وتدخلها السافر في الشؤون العربية الداخلية.

المفترض أنه أصبح واضحاً، إلا لمن لا يريد رؤية الحقائق ولا الاعتراف بما تراه عيناه، أن إيران لديها تصميم مستمر كانت بدأته منذ انتصار الثورة في عام 1979 لتحويل هذه المنطقة كلها إلى مجالٍ حيويٍّ لنفوذها، ولاستعادة ما تعتبره أمجاد فارس القديمة، وهنا فإنَّ ما يشجعها على المزيد من الإصرار لتحقيق هذا الهدف هو التخاذل الأميركي أولاً، والتآمر الروسي ثانياً، ووجود خونة وطائفيين ثالثاً، فضلاً عن هذه الأوضاع العربية المزرية بصورة عامة.

علينا كعرب أنْ نعتمد على أنفسنا بعدما غدا مؤكداً وواضحاً أن "حلفاءنا" الأميركيين لا يمكن الاعتماد عليهم في باقي ما تبقى من وقت لهذا الرئيس، باراك أوباما، في البيت الأبيض، وحقيقة فإن تجربة "عاصفة الحزم" أثبتت أننا قادرون لا على مجرد إفشال الأطماع والتطلعات الإيرانية في الوطن العربي، بل أيضاً على تخليص ما احتلته إيران من أراضٍ عربية في لحظة غفلة من التاريخ، كالجزر الإماراتية الثلاث، وكإقليم "الأحواز" الذي تحتاج ثورته إلى الدعم والمساندة.