بينما انقسمت المواقف في لبنان حيال القرار السعودي الأخير بوقف المساعدات للجيش وقوى الأمن، بسبب موقف لبنان في اجتماعي القاهرة وجدّة، أعلن مجلس التعاون الخليجي، أمس، تأييده قرار السعودية، ودعوته الحكومة اللبنانية إلى إعادة النظر في مواقفها وسياساتها.

Ad

أعربت دول مجلس التعاون الخليجي، أمس، عن "تأييدها التام" لقرار المملكة العربية السعودية إجراء مراجعة شاملة لعلاقاتها مع لبنان، ووقف مساعداتها بتسليح الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي اللبنانية التي كانت تقدر بحوالي أربعة مليارات دولار.

وقال الأمين العام لمجلس التعاون د.عبداللطيف بن راشد الزياني في بيان أمس، إن "دول مجلس التعاون تساند قرار المملكة العربية السعودية، الذي جاء ردًا على المواقف الرسمية للبنان التي تخرج عن الإجماع العربي ولا تنسجم مع عمق العلاقات الخليجية اللبنانية، وما يحظى به لبنان من رعاية ودعم كبير من قبل المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون".

وأكد الزياني أن "دول مجلس التعاون تعرب عن أسفها الشديد لأن القرار اللبناني أصبح رهينة لمصالح قوى إقليمية خارجية، ويتعارض مع الأمن القومي العربي ومصالح الأمة العربية، ولا يمثل شعب لبنان العزيز الذي يحظى بمحبة وتقدير دول المجلس وشعوبها".

وأضاف أن الدول الخليجية الست "تأمل أن تعيد الحكومة اللبنانية النظر في مواقفها وسياساتها التي تتناقض مع مبادئ التضامن العربي ومسيرة العمل العربي المشترك".

وشدد الزياني على أن دول مجلس التعاون "تؤكد استمرار وقوفها ومساندتها للشعب اللبناني الشقيق، وحقه في العيش في دولة مستقرة آمنة ذات سيادة كاملة، وتتطلع إلى أن يستعيد لبنان عافيته ورخاءه الاقتصادي ودوره العربي الأصيل".

وفي لبنان، أرخى الجدل حول تداعيات وقف الهبة السعودية بظلاله على المشهد السياسي، وسط دعوات إلى اجتماع طارئ للحكومة لتدارك الأمر. وتتجه الأنظار في بيروت إلى الإجراءات الجديدة التي يمكن أن تتخذها دول الخليج بحق اللبنانيين، وهو ما عززه كلام وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، بعد قوله مساء أمس الأول: إن "الآتي أعظم".

وكان لافتاً، أمس، كلام وزير الدفاع سمير مقبل، الذي كشف أن الفرنسيين اتصلوا به الاثنين الفائت، وأبلغوه أن السعوديين طلبوا وقف العمل بالهبة.

واستغربت مصادر مقربة من رئيس الحكومة تمام سلام كلام وزير الدفاع قائلة: "لا علم للرئيس سلام لا من قريب أو بعيد بما صرح به مقبل".

وأضافت المصادر، أن "تصريح مقبل غير مقبول، وهو إذا صح فكان من الأجدى أن يطلع رئيسه عليه بدلاً من الحديث حول الموضوع إلى وسائل الإعلام"، ولفتت إلى أن "مجلس الوزراء عقد جلستين الأسبوع الماضي، وكان حرياً بمقبل طرح القضية هناك".

الحريري

وحمّل زعيم تيار "المستقبل" رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، "التيار الوطني الحر"، و"حزب الله" مسؤولية القرار السعودي، وقال من دار الفتوى بعد لقائه مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان: إن "المواقف التي اتخذت بالجامعة العربية ضد السعودية غير مفهومة، ويجب أن يتم تصحيحها، لأن المملكة وقفت إلى جانبنا دائماً".

وشدد الحريري على "ضرورة أن يكون لبنان ضمن الإجماع العربي"، مشيراً إلى أن "(مرشد الثورة الإيرانية علي أكبر) خامنئي اعتذر عن الاعتداء على السفارة (السعودية في طهران والقنصلية في مشهد)، وباسيل نأى بنفسه".

جعجع

من ناحيته، علّق رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع في مؤتمر صحافي، أمس على قرار الرياض، مشيراً إلى أن "العلاقات اللبنانية- السعودية لم تشبها شائبة منذ الحرب الأهلية، وهي كانت في طليعة من أيد وصول الرئيس بشير الجميل إلى رئاسة الجمهورية، وفي ما بعد بالمساعدات في حرب 2006".

وتساءل جعجع: "لماذا يشوبها شائبة في هذه الفترة؟"، مُعللاً ذلك بسببين: "الأول، مهاجمة فريق لبناني للمملكة السعودية بشكل دائم ومستمر، وعدم تدخل الحكومة اللبنانية، أما السبب الثاني، فهو التعدي على السفارة السعودية في طهران، وعدم استنكار الحكومة اللبنانية تحت غطاء النأي بالنفس".

وفي ضغط واضح على الحكومة، التي رفض حزب "القوات اللبنانية" الدخول فيها، قال: جعجع: "على الحكومة أن تجتمع وتوجه طلباً رسمياً لحزب الله بالامتناع عن مهاجمة المملكة العربية السعودية، وتشكيل وفد رفيع المستوى للذهاب إلى المملكة لطرح الأمور كي تستأنف مساعداتها للبنان".

كما علق رئيس الجمهورية السابق أمين الجميل على القرار السعودي، قائلاً: "هذا القرار يزيد القضية اللبنانية تعقيداً، فالواقع الذي نعيشه اليوم هو واقع سوريالي وعبثي، لم يشهده لبنان على مدى تاريخه".

وأضاف أن "المواقف المتخذة في لبنان هي من نوع الانتحار والتدمير الذاتي، وكأننا نصر على الإضرار بمصالح لبنان، وتقديم كل المصالح الخارجية على حساب المصلحة الوطنية ومصلحة الشعب اللبناني".

ولفت الجميل، إلى أن "المطلوب من لبنان التضامن مع المملكة العربية السعودية، التي ما أضرت يوماً بمصالح لبنان، بل كانت على الدوام المبادرة والداعمة للبنان في السياسة والأمن والمال والإنماء، دون حساب أو منّة".

وتابع: "عندما تعرضت المملكة لاعتداء مباشر على سفارتها، لم يكن جائزاً للبنان الوقوف في صف المتفرجين أو اعتماد الحياد. ومن غير المقبول اسقاط التضامن واعتماد اللامبالاة"، مشدداً على "أننا ملزمون بالتضامن العربي، وبالوقوف دائماً إلى جانب الحق".

ودعا الجميل إلى "وقفة عامة ووجدانية من قبل كل اللبنانيين، لوضع حد لهذا الوضع الشاذ الذي يدفع لبنان ثمنه، ومن الجريمة استمراره"، لافتاً إلى "أننا في أمسّ الحاجة إلى دعم الجيش والقوى الأمنية"، وتمنى معالجة الأمر وعودة التفاهم.

وتخوف من أن "يدفع اللبنانيون في الخليج ثمن الغضب السعودي، لأننا نعلم ما سيكون انعكاس ذلك؛ إذا ما تعرض اللبنانيون في رزقهم اليومي على التحويلات التي تشكل رافداً أساسياً للمالية اللبنانية"، سائلاً: "من يتحمل مسؤولية كل ذلك في حال بلوغ كل هذه التعقيدات؟".

وختم الجميل: "ندعو رئيس الحكومة إلى وقفة مسؤولة، والحكومة إلى التضامن الكامل، بما يؤمن معالجة الأمر سريعاً".

«الخارجية» تبرر موقفها

اعتبرت وزارة الخارجية والمغتربين، في بيان أمس، أن "العلاقة بين لبنان والسعودية ليست ظرفية مرتبطة بظروف عابرة، بل علاقة تاريخية عميقة مبنية على روابط وثيقة بين الدولتين والشعبين".

وبينما شددت الخارجية على "أهمية التفهم السعودي لتركيبة لبنان وظروفه وموجبات استمرار عمل حكومته واستقراره"، أكدت أنها "كانت أول من بادر في لبنان إلى إصدار موقف رسمي على لسان وزير خارجيتها جبران باسيل، أدان فيه التعرض للبعثات الدبلوماسية السعودية في إيران، ولأي تدخل في شؤونها الداخلية".

وأشارت إلى أن لبنان شدد على موقفه هذا في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، وفي اجتماع منظمة العمل الإسلامي بجدة.

وشددت الخارجية على أن "الموقف الذي عبّرت عنه جاء مبنيا على البيان الوزاري، وبالتنسيق مع رئيس الحكومة تمام سلام"، مضيفة أن "باسيل عرضه أيضا على طاولة الحوار الوطني وفي داخل مجلس الوزراء، موافقا على مراجعته إذا قررت الحكومة ذلك وهو ما لم تفعله".

ورأت أن "المواقف اللبنانية التي تصدر محاولة الاستفادة السياسية الرخيصة من موقف السعودية من دون أن تتحمل المسؤولية في تقديم البديل وتحمل تبعاته هي مواقف تزور حقيقة الموقف اللبناني السليم، وتشجع السعودية على المزيد من الإجراءات، وتضع مصالح اللبنانيين على محك المراهنات الداخلية لأصحابها في موضوع الرئاسة".

20 مبعداً لبنانياً من الإمارات

ذكرت صحيفة "السفير" في عددها الصادر أمس أن دولة الإمارات العربية المتحدة، قررت إبعاد أكثر من عشرين لبنانياً، من الطائفة الشيعية، وأمهلتهم ساعات للمغادرة. وقالت الصحيفة إن معظم المبعدين هم من بلدة الخيام في قضاء مرجعيون من آل عواضة، وبينهم عائلة وحيدة من مدينة بعلبك من العائلة نفسها.ونقلت الصحيفة عن مصادر في وزارة الخارجية أن عدد الذين تم ترحيلهم منذ عام 2009 حتى الآن، لامس عتبة الألف لبناني.