وجع المرأة العربية

نشر في 09-03-2016
آخر تحديث 09-03-2016 | 00:01
 طالب الرفاعي لا أظن أن أكثر المتشائمين كان ممكناً له، قبل سنوات قليلة، أن يتصور حال أقطار الوطن العربي القائمة اليوم. فبعد التهليل والفرح والتفاؤل بانتفاضات الشعوب العربية مع بداية عام 2011، ها هو الوطن العربي يمرّ بواحدة من أسوأ فتراته التاريخية في القرن الواحد والعشرين، ومؤكد أنها تتجاوز بواقعها الدامي ووحشيتها وبنتائجها ما كانت عليه الأقطار العربية أثناء فترة الاستعمار الغربي. فبالرغم من جميع فظائع الاستعمار كان الشعب في كل قطر عربي موحداً، وكانت كل الشعوب العربية متعاطفة ومتضامنة مع نضالاتها الوطنية. لكن الناظر اليوم إلى أوضاع الأقطار العربية، يرى أن أبناء الشعب الواحد يتطاحنون  فيما بينهم، وقد أظهروا عنفاً ووحشية ورغبة في سحق الآخر يصعب تصورها، حتى وصل الوضع ببعض المواطنين في أقطار عربية كثيرة إلى الكفر بالانتفاضات، وتمنى لو أنها لم تندلع ولم تصل إلى ما وصلت إليه.

اليوم شعوب أقطار عربية كثيرة تعيش العنف والخراب والموت اللحظي على مدار الساعة، وتعيش هاجس الهرب والهجرة للبقاء على حياتها، بينما يعبث في أنحاء الوطن بشر اتخذوا من تجارة الموت وظيفة يتكسبون ويتعيشون منها. كل هذا والمرأة العربية تعيش أوجاعها كما لم تعشها في أي يوم. فهي أم وأخت وابنة للقاتل والمقتول، وهي ملتاعة لوحشية ابنها ولموت ولدها الآخر، وتكاد تجن لإنقاذ عيالها الصغار المتبقين على قيد الحياة. لا أظن أن أحداً تقطعت أوصال روحه كما المرأة العربية، ولا أظن أحداً احتمل ويحتمل مرارات الواقع كما المرأة العربية، في كل مراحل عمرها. الطفلة مسبية، والصبية مغتصبة، والأم مهددة، والعجوز جائعة.

يحتفل العالم في كل عام بيوم المرأة العالمي، تقديراً لعطائها، لكن عالمنا العربي يجب أن يحتفل في كل يوم أمام عظمة وصبر ومثابرة المرأة العربية. فالأوضاع غير الإنسانية التي يمر بها هذا الوطن الممتد من الماء إلى الماء ما كشفت معدنا أصيلاً وكريماً ولامعاً كمعدن المرأة العربية المقاومة. المرأة العربية التي صار وجودها اليومي كفاحاً بحد ذاته.

إن الاحتفال بيوم المرأة العالمي في أقطار الوطن العربي هو وقوف مؤلم على واقع يومي صار من الصعب تغييره، وصار أصعب التعايش معه. لذا ليس أمامنا إلا الشد من عضد المرأة وعمل كل ما يمكن عمله لمساعدتها في عيش وتجاوز هذا المأزق القاتل الذي تمرّ به. إن المؤسسات الرسمية والأهلية وكذلك مؤسسات المجتمع المدني، مدعوة على طول وعرض الدول العربية، وعلى الأخص تلك التي مازالت تتمتع والحمد لله بأمان وسلام، أن تهب لمساعدة المرأة، سواء كانت في تخفيف معاناتها أو رفع الظلم عنها، في بلدانها المحاصرة، أو إعانتها على الخروج من تنور الموت والظلم، وتسهيل وصولها إلى أماكن آمنة. إضافة إلى مساعدة الملايين اللاجئين وتحديداً في لبنان والأردن فهم يعيشون أوضاعاً معيشية مزرية، وتتحمل المرأة الوجع الأكبر فيها. كما أن الكاتب العربي، أياً كان الشأن الذي يكتب فيه، هو مطالب بالتنادي للوقوف إلى جانب المرأة، ومساعدتها في رفع الظلم الذي يحيط بها.

عاش العرب عقوداً وهم يرددون بحسرة كلمة لاجئ للإشارة إلى الإخوة الفلسطينيين، واليوم يتكلم العالم بأسره مردداً كلمة اللاجئ العربي. غصت بقاع الأرض باللاجئين العرب، وصار العربي قرين الهرب من وطنه، وصارت المرأة العربية تتعرض في كل يوم لألف إهانة وإهانة، هذا إذا قُدر لها أن تعيش يومها.

تحية من القلب والروح للمرأة العربية، في نضالها المفروض عليها لكي تبقى على قيد الحياة.

تبقى شجرة تحمي أسرتها وكل من يستظل بحنانها وعطفها.

back to top