مظاهرات أمس الأول

Ad

الفارق بين القضية الوطنية والحالة الوطنية، هو الذي يتمثل بالضياع السياسي الذي يعيشه السواد الأعظم من الشعب المصري الآن، والغضب الشعبي الذي بدا في مظاهرات أول من أمس، التي شارك فيها من التهبت حناجرهم في ثورة التصحيح في 30 يونيو 2013 بطلب رحيل الرئيس السابق د. محمد مرسي، وكانوا قبل ذلك قد شاركوا في ثورة 25 يناير 2011 (الثورة الأم)، ومنهم من المؤيدين للنظام الحاكم في مصر، ولكنه يرفض التفريط في شبر واحد من أرض مصر.

صحيح أن أعداد من قاموا بهذه المظاهرات كانت محدودة، إلا أنها كانت تمثل طوائف الشعب وفئاته وألوانه وأطيافه كلها، فالغضب الشعبي عارم، وهو في كنّ مستور في الصدور والقلوب.

وأزعم أن أسبابا كثيرة حالت دون أن تشارك أعداد كبيرة من الشعب في هذه المظاهرات، ومنها دعوة جماعات التطرف الإسلامي إلى الخروج فيها، فقد حققت هذه الدعوة نقيض المقصود منها، بأن أحجم الكثيرون عن المشاركة في هذه المظاهرات، فضلا عن الخوف من المصادمات مع الشرطة، فضلا عن الضياع السياسي الذي يعيشه المواطن المصري الآن.

فقد كان يحلم حلما جميلا، هو ما ستجلبه لمصر الزيارة الكريمة لخادم الحرمين الشريفين لمصر في صحبة كبار رجال دولته، للإسهام في إعادة شريان السياحة والاستثمارات إلى مصر في مواجهة التحديات التي تواجهها في أمنها القومي بسبب الإرهاب.

السعودية في قلوبنا... ولكن

والمصريون لا ينسون ما قدمته المملكة العربية السعودية من دعم أدبي ومادي لمصر وشعبها في 30 يونيو، والذي حفر اسم الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في قلوبنا جميعا، فقد كلف خادم الحرمين الراحل الدبلوماسية السعودية بتكثيف جهودها في كل دول العالم لدعم الإرادة المصرية ومواجهة كل محاولات الهيمنة على مصر وشعبها، ومن دعم مادي حتى تتعافى مصر من أزمتها الاقتصادية، فقد وضع إمكانات السعودية كافة لخدمة الاقتصاد المصري، وتوفير كل السبل اللازمة لمساندة حركة التنمية والاستثمار في مصر ومساعدة المصريين على الخروج من عنق الزجاجة واجتياز المرحلة الانتقالية بسلام.

تحول الحلم إلى كابوس

ولكن المواطن صحا فجأة من هذا الحلم الجميل على الأنباء التي طالعته بها الصحف المصرية، من أن هناك اتفاقية ترسيم حدود وقعت بين مصر والمملكة العربية السعودية، من بين اتفاقيات التعاون المشترك بين البلدين، تعيد مصر بمقتضاها السيادة على جزيرتين هما صنافير وتيران إلى المملكة، فلم يكن هناك إعلان مسبق بأن هذه الزيارة الكريمة لخادم الحرمين الشريفين، سوف تشمل هذه الاتفاقية، ولم يسبق طرحها على الرأي العام عبر وسائل الإعلام المختلفة، لتنير الطريق أمام الشعب في تقبل هذا الأمر الجلل، أو رفضه، فالشعب لا يعرف شيئا عن ظروف هاتين الجزيرتين التاريخية، التي أُعلن عنها بعد التوقيع على الاتفاقية لا قبلها، وما قيل من أن هاتين الجزيرتين تدخلان في المياه الإقليمية للمملكة، وأن مصر استعارتهما في ظروف حربها ضد إسرائيل.

فمثل هذه الظروف التاريخية- إن صحت- لم تطرح على الشعب ليقول كلمته فيها، ومن هنا جاءت في نظر الكثيرين، تبريرا لهذه الاتفاقية لا تفسيرا لها، خاصة أن ما ساند هذه الظروف من مكاتبات متبادلة بين الملك الراحل فاروق وبين الملك الراحل عبدالعزيز آل سعود، مع سلامة نية الملكين الراحلين، لا تبرر التنازل عن شبر واحد من أرض مصر، إن لم يكن هناك سند من أحكام القانون الدولي والعرف الدولي وقواعدهما في المياه الإقليمية ومياه المضايق يؤيد حق المملكة في ادعائها.

حالة وطنية من الغضب

ومن هنا فقد أصبح الشعب المصري في حالة وطنية من الغضب، دون أن ترقى إلى أن تصبح قضية وطنية، يلتف حولها الشعب ويدافع عنها بضراوة، وذلك لغياب الشفافية في هذه الاتفاقية، وعدم إلمام الشعب الكامل بأسبابها الحقيقية، فحالة الغضب الوطنية، كانت ولا تزال نقداً لإدارة الحكومة لهذه الأزمة، ولو كان نقدا عنيفا عبرت عنه الشعارات التي رفعها المتظاهرون، والتي تتطابق وشعارات ثورة 25 يناير، يتناول نقد المسؤولية التي تقوم عليها أبعاد هذه الاتفاقية، السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، فهو نقد لا يرقى إلى أن يكون مواجهة قانونية ودستورية وعلمية كاملة لهذه الاتفاقية، وأن الاستناد إلى رأي واحد لأستاذ في القانون الدولي، كان أحد رموز نظام مبارك، أو إلى تصريح صادر من مبارك شخصيا- إبان حكمه- في الاعتراف للسعودية بالحق في هاتين الجزيرتين إن صح صدور هذا التصريح، لا يصلح سندا لهذه الاتفاقية وقد قامت ثورة 25 يناير التي أسقطت نظام مبارك.

وكان نهاية هذا الجدل الصاخب هو منتهى الضياع السياسي للمواطن، الذي وجد نفسه في غياب هذه الشفافية مدفوعا بمشاعر متباينة، مشاعره الوطنية ومشاعره العربية، لا يستطيع أن يحسم موقفه من هذه الاتفاقية مؤيدا أو معارضا.

تيران وأزمة 1967

نعم إن المواطن المصري وجد نفسه في حالة سياسية شاذة، فقد عاصر أو سمع أو عاش نكسة 1967، ولم ينسه انتصار اكتوبر أو اتفاقية كامب ديفيد أسباب هذه النكسة، أن مصر أرادت أن تستعيد سيادتها على قطعة من أرضها، هي جزيرة تيران، عندما طلبت الحكومة المصرية في 16 مايو 1967 من الأمين العام للأمم المتحدة سحب القوات الدولية، والتي كان بعضها يتمركز بالقرب من هذه الجزيرة، لتفرض سيادتها على ممر ملاحي دولي يسير بمحاذاة سواحلها التي تفصلها عن الجزيرة أربعة أميال، وعرض الممر الصالح للملاحة في الممر الموازي للسواحل المصرية أقل من ميل بالنسبة إلى السفن الكبيرة، وذلك ردا على تصريح القادة الإسرائيليين يوم 12 مايو بأنهم سوف يقومون بعمليات حربية ضد سورية، وأنهم سيحتلون دمشق لإسقاط الحكم السوري، وأن حشودا عسكرية إسرائيلية بدأت تستعد لهذا العدوان الإسرائيلي على سورية، وهو ما ضمنه الرئيس الراحل الزعيم جمال عبدالناصر في خطابه التاريخي يوم 22 مايو 1967.

تيران وأزمة 1956

وكانت جزيرة تيران قد شكلت أحد محاور إدارة الأزمة بين مصر وإسرائيل منذ إقامة دولة اسرائيل عام 1948 نتيجة محاولات العصابات اليهودية المسلحة (أرغون شتيرن) لاحتلالها؛ مما دفع الملك عبدالعزيز آل سعود عام 1950 لطلب توفير حماية لجزيرتي تيران وصنافير من الملك فاروق، لا سيما مع رفض الجانب العربي للقرار رقم 182 لعام 1948 بخصوص تقسيم أرض فلسطين لدولتين عربية ويهودية من ناحية، واستيلاء المنظمات اليهودية على قرية أم الرشراش (مدينة إيلات حاليا) في 19 مارس 1949 بعد اتفاقية الهدنة، حيث تم تفعيل هذا الرفض بمنع السفن التي تحمل علم إسرائيل أو المتوجهة الي ميناء إيلات من عبور المضيق، مع تفتيش السفن الأميركية والأوروبية المتوجهة إلى إسرائيل، الأمر الذي اتخذته إسرائيل ذريعة لحشد تأييد كل من بريطانيا وفرنسا للقيام بالعدوان على مصر عام 1956 في أعقاب قرارها بتأميم قناة السويس.

وللحديث بقية عن أحكام القانون الدولي العام وقضاء محكمة العدل الدولية المتعلقة بالخلجان والممرات الملاحية الدولية.