في السينما المصرية فقط، وفي فيلم «شكة دبوس» على وجه التحديد، يمكنك أن تشاهد «البطل» وهو يستقل سيارة فارهة، ويرتدي نظارة شمسية تنتمي إلى ماركة عالمية، ويسكن قصراً منيفاً، من دون أن تتعرف إلى خلفيته الاقتصادية والاجتماعية، أو تتوصل إلى مصدر دخله الذي يتيح له الإنفاق بكل هذا البذخ. وهو ما ينطبق، بدرجة ما، على الشاب «سيف سراج الدين» (خالد سليم) الذي يُقال إنه عائد من رحلة عمل في الخليج، وكأنه كان يملك بئر نفط هناك، ويستعد للزواج من الصحافية «شاهيناز» (مي سليم)، التي تغار عليه بجنون، وتتعرض لمكيدة من زميلتها «هدير» (نسرين أمين)، التي تطمع في الاستيلاء على مكانتها لدى «أدهم» (سامي مغاوري) رئيس تحرير المطبوعة التي تحمل اسم «ساعة بساعة»، وتنجح، بالاتفاق مع «عمرو الصفطاوي» (محمد شاهين) الجار القديم للبطل في إجهاض مشروع الزواج، وتحويل ليلة الزفاف إلى فضيحة على كل لسان!

Ad

قصة عادية عولجت على الشاشة آلاف المرات لكن جديد «شكة دبوس» أن المؤلف د. أيمن عبد الرحمن يُضيف إلى الأحداث  طزاجة عندما يجعل من تطبيقات الهواتف الذكية ركناً رئيساً في المؤامرة التي يتعرض لها البطلان، فالجار الشرير «عمرو» يستثمر جهل البطل بالتكنولوجيا الحديثة، وبإمكانات الهاتف الجديد الذي أهدته إياه خطيبته «شاهيناز»، وينجح في تشكيكه وهز ثقته فيها، عبر الإيحاء بأنها ذات ماض ملوث، وأنها تمارس سلوكيات أخلاقية منحرفة تحت اسم مستعار لتضليل من يعرفها. تنطلي الحيلة على «سيف»، وينتظر لحظة عقد القران ليرفض الاعتراف بأنها «بكرٌ رشيدٌ»، وتتعرض «شاهي» لصدمة عنيفة تنتهي بها إلى المستشفى الاستثماري، الذي يُقر مديره «نشأت» (حمدي السخاوي) بأنها عذراء، ويكتشف البطل حجم الخديعة التي تعرض لها، ويعتذر للضحية في وسائل الإعلام، وأمام جمهور برنامج «قول الحق»، الذي تقدمه، كما يرضخ لشروط عائلتها التي تضمن استقرارها، وعدم الغدر بها. وعقب الزواج يكتشف أنه تعرض لمؤامرة محبوكة بدقة تقف وراءها أطراف عدة!

هذه الطزاجة على صعيد المعالجة تركت آثارها الإيجابية على صعيد الشكل السينمائي، فالمخرج أحمد عبد الله صالح استثمر تطبيقات الهواتف الذكية ليُضفي على الشاشة بريقاً وجمالاً، ونجح في توظيف الصورة (كاميرا إسلام عبد السميع) والمونتاج (رجب العويلي) لتكثيف الشعور بالشك والحيرة، فالتغريدات والبوستات تحاصر البطل، وتطارده، وهو ما تعكسه موسيقى عزيز الشافعي، لكن مؤثرات رامي علاء الدين جاءت مباشرة في ارتباطها بظهور شخصية «عمرو»، وكأنها تقول للمشاهد «احذر أمامك شرير!»، وجاءت مشاهد العصابة، التي اكتراها «سيف» لتأديب صديقه «عمرو»، والوكر الذي اقتيد إليه لانتزاع اعترافه «خارج السياق»، ومتنافرة مع الشكل تماماً مثل الخلط الواضح، وعدم الاستقرار على نوعية الفيلم، بين «الرومانسية»،  و{السيكودراما» و{الأكشن» و{التشويق»، بل إن فحيح الجنس يكاد يملأ أرجاء المشاهد التي تحوم فيها الشبهات حول «شاهي»، وتؤكدها تصرفاتها الملتبسة، وهو الأمر الذي يتكرر مع شخصية سامية الطرابلسي، التي تؤدي دوراً في كشف حقيقة شخصية «عمرو»، كنوع من التشفي فيه، بعد رفضه الارتباط بها، وتفضيله «شاهيناز» عليها. ورغم نجاح المخرج أحمد عبد الله صالح في تكثيف جو الغموض والإثارة، والاحتفاظ بعنصر المفاجأة حتى اللحظة الأخيرة من دون أن يُمكن الجمهور من التنبؤ بها، فإن الخلل يبدو واضحاً في تسكين الأدوار، واختيار طاقم تمثيل قليل الخبرة، الأمر الذي انعكس سلباً على أداء خالد سليم ومحمد شاهين ونسرين أمين وسامية الطرابلسي وسامي مغاوري وسعيد صديق، الذي أدى دور والد البطلة مي سليم. وتُعد الأخيرة الاستثناء الوحيد كونها نجحت في إقناعنا بأنها ضحية ومظلومة على عكس مشاهد كثيرة مقحمة لم يكن لها أي مبرر، وكانت سبباً في عدم اقتناع المتلقي بما يراه على الشاشة، كالاستعانة بصور عبد الناصر والسادات والسيسي، والإشارة بقبح وترخص إلى عمليات استعادة العذرية أو ترميم غشاء البكارة «اللي تخلي الواحدة ع الزيرو في نصف ساعة»، والإيحاء بفجاجة إلى أن «سيف» أعطى أوامره للعصابة بإخصاء «عمرو» جزاء له على فعلته الدنيئة في حقه، وحق خطيبته. وبعيداً عن هذا جاءت النهاية مثيرة، ويكتنفها الغموض، ومتوافقة بدرجة كبيرة مع المعالجة العصرية، حيث ظهر الشرير «عمرو» وهو يعاود الاتصال بالاسم المستعار لكنه يفاجأ بعدم وجود إشارة في الهاتف، وعندما يتم التفعيل يمحو الاسم وكأنه يمحو ذنباً ارتكبه!

المُدقق في فيلم «شكة دبوس» يخالجه شعور أنه فيلم رجعي يناهض التقدم والتكنولوجيا، إذ لا يخلو مشهد من صب اللعنات على الهواتف الذكية، وتحميلها مسؤولية كل الشرور والمصائب التي تحل بالبشر، وكأن العالم من دون طفرة تكنولوجية أفضل، وهو نوع من تكريس التخلف والجمود والرجعية لا يليق تبنيه أو الدعوة إليه في القرن الحادي والعشرين!