شعر جنس ثالث!

نشر في 17-03-2016
آخر تحديث 17-03-2016 | 00:01
 مسفر الدوسري هل أنت مع تصنيف الشِّعر إلى شِعر رجولي وشِعر نسائي؟!

هل يمكن للشعر أن يكون شِعراً يرتدي «الشيلة والعباية» وآخر يضع «الغترة والعقال»؟! شِعر بطلاء أظافر وآخر بشنب؟! أو شِعر بصوتٍ مغناج وآخر بصوتٍ خشن أجش؟! أنا مع هذا التصنيف!

أنا أرى أن الشعر تحديداً، بخلاف كثير من أصناف الإبداع الأخرى، يمكن له أن يخضع لمثل هذا التقسيم بكل رحابة صدر وسماحة عجز، بل أعتقد بشبه يقين أنه لابد أن يكون كذلك، وهذه ميزة في الشعر لا تتأتى في بقية صنوف الفن والإبداع كالرسم أو الموسيقى أو حتى الرواية، فكل أشكال الإبداع هذه يمكن تحييد الجنس فيها ولكن يصعب ذلك في الشعر،

القصيدة عمل في الغالب لحظي و»آني»، مع ملاحظة أن الزمن الإبداعي لا يتطابق والزمن الواقعي، فاللحظة الإبداعية ليست هي الثواني التي تعدّها عقارب الساعة، إذ ربما تكون هذه اللحظة ساعات أو حتى من المحتمل أن تمتد لتأخذ اليوم كله تحت عباءتها، لذلك فإن العواطف والأحاسيس تكون طازجة وتعبأ لحظتها في جيوب الكلمات قبل أن تفقد طعمها الطازج ورائحتها، ويكاد يكون الرقص الفن الوحيد الذي يشابه الشّعر في صفة «الآنية» تلك، ولهذا يمكننا أن نقسّم الرقص إلى رقص نسائي وآخر رجولي، لاختلاف طريقة التعبير الجسدي في كل منهما، وبسبب صفة «الآنية» هذه فإن القصيدة التي تُكتب على لسان أنثى لابد أن تحمل كثيراً من صفات الأنوثة في المشاعر والانفعالات والتعابير، والتي تختلف في كثير من الأحيان عن تلك الموجودة في طبيعة الرجل وتكوينه العاطفي، وليست «تاء» التأنيث قطعاً ما أعنيه بالاختلاف بين القصيدة الأنثوية والقصيدة الرجولية، بل ان الأمر أعمق من ذلك بكثير، فالقصيدة الأنثوية لابدّ أن تحمل شيئاً من عطرها وكحلها وطلاء شفاهها وبقية أدوات زينتها، كل هذا بخلاف انفعالاتها وطريقة التعبير عنها، ولعل قراءة بعض نصوص الشاعرة العراقية الكبيرة «لميعة عباس عمارة» توضّح هذا الفرق الذي أعنيه، وقد يقول قائل وماذا عن شعر نزار الذي كتب على لسان أنثى؟! أجيب أنه شعر أنثوي بامتياز بغض النظر عمّن كتبه رجلاً كان أم امرأة، فالتصنيف الذي أقصده للمُنتَج -بفتح التاء- وليس للمُنتِج بكسر التاء، وما يجعل هذا الجزء من شعر نزار شعراً أنثوياً هو أنه أتقن باحتراف استخدام كل ما هو أنثوي في تلك القصائد، فهو لم يكتف بتوظيف كل ما يخص زينة المرأة في تلك القصائد من فساتين وحُلي، وأقلام كحل، وطلاء أظافر، وجدائل منذ أعوام تربيها، بل تعدّى ذلك في الوصول حداً في الإتقان يمكنه أن يرسم بدقة انفعال امرأة ما وردّة فعلها حتى نكاد نجزم أن القصيدة كتبت بنزف أنثى، مما يجعلنا مطمئنين كل الطمأنينة عند تصنيفها أنها ضمن الشعر النسائي.

نعم هناك شعر لا يمكن أن ننسبه إلى أحد الجنسين دون الآخر، وهذا ما يمكن أن نصنفه تحت «شعر جنس ثالث»!

back to top