لماذا تكاثرت التحالفات العسكرية؟

نشر في 27-03-2016 | 00:01
آخر تحديث 27-03-2016 | 00:01
 ياسر عبد العزيز إن ارتفاع وتيرة إنشاء التحالفات العسكرية في المنطقة العربية دليل على اختلال توازن القوى في هذه المنطقة من جانب، وزيادة حدة التغيرات والتدخلات الخارجية في أمنها من جانب آخر، وستكون قدرة هذه التحالفات على تحقيق مصالح المنطقة في الاستقرار والسلام والأمن مرهونة بحسن الإعداد لها.

تعد ظاهرة التحالفات العسكرية ظاهرة قديمة قدم التاريخ، وقد تم رصد أنماط من التحالف العسكري في فترات بعيدة، وخصوصاً تلك الأنماط التي تتصل بتحالفات بين القبائل وجماعات السكان في مرحلة ما قبل الدولة.

لكن مفهوم التحالفات العسكرية يتكرس في معاهد الاستراتيجية اليوم باعتباره مفهوماً يتعلق بالدولة والمنظمات الدولية، ويمكن تلخيصه ببساطة في أنه "اتفاق بين دولتين أو أكثر على تدابير عسكرية وأمنية معينة لحماية دولة التحالف من تهديد أو عدوان ما".

ويُعرف التحالف العسكري أيضاً بأنه "اتفاق رسمي، معلن أو غير معلن، تتعهد بموجبه دولتان أو مجموعة من الدول بالتعاون في ما بينها في مجال الاستخدام المشترك لقدراتها العسكرية ضد دول أو دولة معينة".

ويشرح أستاذ العلاقات الدولية الأميركي الشهير هانز مورجنثاو Hans Morgenthau أسباب اللجوء إلى التحالفات العسكرية بقوله: "نفترض أن الدولتين (أ) و(ب) متنافستان أو متصارعتان. بسبب هذا التنافس أو التصارع ستسعى الدولتان إلى تعزيز مراكز قواهما، وفي هذه الحال لن يكون أمام كل منهما، إذا اختل التوازن، إلا ثلاث طرق؛ أولاها تعزيز التسلح، وثانيتها إضافة قوة أخرى إلى قوة الدولة، وثالثتها سحب قوة دول أخرى من رصيد الدولة الخصم- العدو. وبالتالي فإن الخيارين الثاني والثالث سيقودان مباشرة إلى تكوين التحالفات العسكرية".

يفسر هذا الشرح ما اتفق عليه الباحثون الاستراتيجيون من أن التحالفات العسكرية ليست مبدأ من مبادئ العلاقات الدولية بقدر ما هي وسيلة من وسائل الملاءمة.

وسيشرح لنا هذا الأسباب التي دعت بريطانيا إلى النأي بنفسها عن التحالف مع الولايات المتحدة، حتى نشأ التحدي النازي، ولماذا لم تنضم اليابان إلى تحالف دول المحور عشية الحرب العالمية الثانية إلا بعد ظهور التهديد لمصالحها في جنوب شرق آسيا، ولماذا لجأت جنوب إفريقيا (في ظل الفصل العنصري) إلى التحالف مع إسرائيل، في ظل شعور الدولتين بالعزلة والاستهداف.

وسنفهم من تاريخ التحالفات العسكرية أيضاً أن الصبغة الأساسية لتلك التحالفات تشير إلى أنها "مؤقتة"، وأن بعضها يكون سرياً بطبيعة الحال، والأهم من ذلك أنه لا يوجد ما يمنع دولتين متعاديتين يوماً من أن تكونا حليفتين في يوم آخر.

فلم يكن التحالف الذي أبرمته إنكلترا وفرنسا وإسرائيل لشن العدوان الثلاثي على مصر، في عام 1956، علنياً، كما لم يستمر طويلاً.

كما أن فرنسا وألمانيا اللتين خاضتا صراعاً مريراً، أفضى إلى احتلال هتلر لباريس أثناء الحرب العالمية الثانية، ما لبثتا أن أصبحتا حليفتين في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، أثناء الحرب الباردة وما بعدها.

إن العالم العربي يشهد فورة تحالفات غير مسبوقة في الأوقات الراهنة، بدأت مع اندلاع الانتفاضات العربية في مطلع العقد الجاري، حيث أدت تلك الانتفاضات إلى زيادة حدة التدخلات الأجنبية والإقليمية، وأنشأت أوضاعاً أقرب إلى الفوضى، وعمقت هشاشة الدول والمجتمعات التي ضربتها، مما أنتج حالة من عدم توازن القوى، وهي الحالة التي أغرت الفاعلين السياسيين بتعظيم مصالحهم وتأدية أدوار أوسع وأكثر تأثيراً.

يشير هذا الطرح إلى أن التحالفات العسكرية التي شهدتها المنطقة كانت في مجملها "تحالفات دفاعية"، حتى إن اتخذت طابعاً هجومياً في بعض الأحيان، وهو الطابع الذي يمكن رده إلى مفهوم "الهجمات الاستباقية"، و"الدفاع خارج العمق الجغرافي".

مع اندلاع الانتفاضة في سورية في مارس من عام 2011، بدأت إرهاصات تكوين تحالف عسكري بين روسيا، وسورية، وإيران، وبعض الميليشيات العراقية والميليشيات اللبنانية.

لقد استمر هذا التحالف في أداء الدور المرسوم له في محاولة لإحداث حالة من التوازن في القوة بين قدرات الجيش النظامي السوري من جانب والقوى المعارضة والثورية التي تستهدفه من جانب آخر.

ويبدو أن هذا التحالف لم ينجح في حسم المعركة لمصلحة نظام بشار الأسد، لكنه في الوقت ذاته نجح في تجميد الأوضاع، وفرض منطق تفاوضي محدد على أوضاع التسوية المطروحة، وإيقاف الهزائم والتراجعات الميدانية، لكن بتكاليف كبيرة.

على صعيد مواز، لم يكن من الممكن التصدي للتحدي الإرهابي الذي فرضه تنظيم "داعش" إلا من خلال عمل منسق بين عدد من الدول من داخل المنطقة وخارجها.

وكاستجابة للتحدي الذي فرضه هذا التنظيم الإرهابي، سعت مجموعة من الدول من خارج المنطقة وداخلها إلى تكوين "تحالف دولي ضد داعش"، وهو التحالف الذي ضم نحو 20 دولة، وتم تدشينه في سبتمبر من عام 2013.

وفي مارس من عام 2015، نجحت المملكة العربية السعودية في تدشين تحالف عربي تحت اسم "عاصفة الحزم"، اعتمد على مشاركة فعالة من جانب دولة الإمارات العربية المتحدة، وتسع دول أخرى، ضد جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، وأنصار الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح.

ولقد أنجز هذا التحالف نجاحات عسكرية واضحة، أدت إلى تغيير موازين الصراع السياسي على السلطة، وحافظت على صيانة الهوية العربية لليمن، وحماية حق الشعب اليمني في تقرير مصيره، قبل أن يتم إنهاء العملية، لتدشين عملية جديدة تحت اسم "إعادة الأمل"، في أبريل من عام 2015.

وإضافة إلى تلك التحالفات التي تتفاعل في المنطقة، أعلنت السعودية أيضاً تدشين تحالف إسلامي ضد الإرهاب، في ديسمبر من عام 2015، وهو التحالف الذي حظي بإعلان 35 دولة إسلامية انضمامها له، إضافة إلى تأييد عشر دول إسلامية أخرى.

إن ارتفاع وتيرة إنشاء التحالفات العسكرية في المنطقة العربية دليل على اختلال توازن القوى في هذه المنطقة من جانب، وزيادة حدة التغيرات والتدخلات الخارجية في أمنها من جانب آخر.

وستكون قدرة هذه التحالفات على تحقيق مصالح المنطقة في الاستقرار والسلام والأمن مرهونة بحسن الإعداد لها، وجدية الدول المنضوية تحت لوائها، وقدرة الدول السائدة في تشكيلها على تحقيق مصالح متوازنة لكل الأعضاء.

يبقى أن التاريخ أخبرنا أيضاً أن التحالفات المستندة إلى ذرائع أكثر انتصاراً لقيم السلام والعدل والاستقلال الوطني ومقاومة المذهبية والإرهاب والغزو كانت أقرب إلى تحقيق النصر.

* كاتب مصري

back to top