يا أبا ماضي هل كان العربي صاحب النخوة يلبس في أيامك حزاما ناسفا يقتل النساء والشيوخ والأطفال، أو يذبح أهله من الوريد إلى الوريد، ليتقرب بعمله إلى شيطان، أو أن هناك مثقفا يرقص طرباً ويمنّي النفس بالجنة لهذا الفعل؟!! 

Ad

لقد أبدع الشاعر إيليا أبو ماضي في وصف حالة التفاؤل في أكثر من قصيدة، رغم أن أيامه لم تختلف كثيراً عن أيامنا إن لم تكن أسوأ منها، ومع ذلك رفض شاعرنا دخول عالم التشاؤم، فكان الإبداع حليفه، ومنها قصيدته الحوارية الرائعة التي جسدت روح التفاؤل والأمل.

قال السماء كئيبة! وتجهّما

قلت: ابتسم يكفي التجهّم في السما!

قال: الصبا ولّى! فقلت له: ابتــسم

لن يُرجع الأسف الصبا المتصرما!!

قال: التي كانت سمائي في الهوى

صارت لنفسي في الغرام جــهنما

خانت عــــهودي بعدما ملّكْـتها

قلبي، فكيف أطيق أن أتبســما!

قلـــت: ابتسم واطرب فلو قارنتها

لقضيت عــــمرك كــله متألما

فاضحك فإن الشهب تضحك والدجى

متلاطم، ولذا نحب الأنجما!

قال: البشاشة ليس تسعد كائنا

يأتي إلى الدنيا ويذهب مرغما

قلت ابتسم مادام بينك والردى

شبر، فإنك بعد لن تتبسما

يا أبا ماضي إن زماننا قد اختلف كثيرا عن زمانك، فلم يعد للحب طريق رغم وجود الجراحات التجميلية وماركات المكياج العالمية، وما فاءت به علينا الحضارة الغربية والشرقية من هواتف نقالة وسيارات فارهة رياضية وغير رياضية، وبيوت مؤثثة بأرقى أنواع الأثاث، وربيع عربي، وثورة لم نصنع منها جملة، لكننا نجحنا في تحويل السجون إلى حمامات دم والآمنين إلى لاجئين وبالملايين، كما أننا قد نجحنا بفك الحصار عن الكيان الصهيوني، وأقمنا معه علاقات دبلوماسية.

يا أبا ماضي لقد تفننّا في محاربة الحريات رغم سعة فضاء الاتصالات، ففي الوقت الذي تحول العالم فيه إلى قرية صغيرة استطعنا أن نجعل من عالمنا العربي أبكم لا ينطق ولا يسمع، ناهيك عن أن الاختلاف بالرأي صار جريمة لا تغتفر قد تكلفك حياتك.

يا أبا ماضي هل كان العربي صاحب النخوة يلبس في أيامك حزاما ناسفا يقتل النساء والشيوخ والأطفال، أو يذبح أهله من الوريد إلى الوريد، ليتقرب بعمله إلى شيطان، أو أن هناك مثقفا يرقص طرباً ويمنّي النفس بالجنة لهذا الفعل؟!!

يا أبا ماضي هل كان الكذب في أيامكم عادة النبلاء والسادة أو كانت الرشوة عنواناً للأمانة، والظلم لبس ثوب العدالة؟ فإن كان، وهذا متوقع في كل زمان ومكان، فإن الأرقام في زماننا تتجاوز الملايين إن لم نقل المليارات.

يا أبا ماضي بودي أن أفرح من قلبي لحال قومي دون أن تكون ابتسامتي خوفاً أو تصنعاً، فالحال إلى الأسواء، حتى حرية الكلمة قُيدت، فلا أحد يجرؤ على ذكر كلمة الحق، وإلى ذلك الحين إليك مني أجمل ابتسامة لعلك في يوم تجد طريقاً للسعادة والفرح، فو والله أنا متفائل أكثر منك بمرات، لكن زماني غير زمانك.

ودمتم سالمين.