تبدو الكاتبة العمانية بشرى خلفان، مخلصة لهمّها الإنساني النسوي في كتاباتها بشكل عام، ويبدو هذا الهم حاضراً بشكل واضح في "نصوصها" المعنونة بـ"رفرفة". وإذا ما تجاوزنا قضية تجنيس النصوص، فأنا أرى أن معظم النصوص جاءت بصيغة أقرب ما تكون لشكل القصة القصيرة، وبالتالي أرى أنه كان سيكون إنصافاً لو نُسبت هذه النصوص إلى جنس القصة.

Ad

"رفرفة" بطبعتها الثانية الصادرة عن "بيت الغشام للنشر والترجمة -مؤسسة التكوين للخدمات التعليمية والتطوير" 2013، هي مجموعة نصوص نسوية بامتياز، نسوية ليس لأن كاتبتها امرأة، بل هي كذلك، لأن مادة مواضيعها في جُلها تأتي لصالح القضايا النسائية، وتحديداً في المجتمع العُماني، كما أن هذه المواضيع تأتي معجونة بأوجاع المرأة وخيباتها وهواجسها وموتها. وتحظى البيئة العُمانية بمعتقداتها وطقوسها وتراثها بحضور لافت في المجموعة، مما يضفي نكهة خاصة عليها، لكون ذلك يمنح القارئ فرصة لتفحص ترجمة فعل المعتقد في المسلك والممارسة اليومية الماثلة.

وأغفلت الكاتبة بشرى خلفان تأرخة نصوصها إلا من تاريخ طباعة المجموعة، مما يُصعّب على القارئ الباحث معرفة تاريخ كتابتها، وبالتالي اللجوء إلى تاريخ طباعة المجموعة بوصفه السند الوحيد. سبب هذا القول هو محاولة نسبة ما جاء من حوادث في عوالم القصص الفني، ومدى ملامسته للواقع المعيشي الراهن، وتحديداً الحوادث التي تخص الفتيات وتزويجهن في أعمار صغيرة، وهل أنحاء السلطنة الآن تعيش مثل هذه الممارسات التي باتت مُدانة عالمياً بعد إدانتها إنسانياً؟

في "نص" رفرفة، الذي حملت المجموعة عنوانه أيضاً. يقدم النص "خولة" الطفلة التي تلهو بإطلاق سراح الحمامة، وإذ بها تُقاد إلى زيجة لا علاقة لها فيها، وهي الطفلة التي تلبس مريلة المدرسة، ولا يزيد وعيها البريء بالزواج عن حفل الطبول والرقص: "أدخلت عليه، لم أكن قد رأيته من قبل... كان هائلاً، مدبوغ الوجه، حاد التقاسيم، ميت النظرة، وتخيلته العفريت الذي رسمت النساء الطلاسم في يدي لتبعده عني... أقفل الباب وتخلى الأهل، فمددت راحتي في وجهه، واجهته بالطلاسم، لكنه لم يختف، كانت ركبتاي ترتجفان، أغمضت عينيَّ لأتجنب نموه نحوي، وعندما فتحتهما، كنتُ ملقاة على الفراش، وكان ثوبي قد انحسر إلى الأعلى. أحسست بألم حاد... كان النزف شديداً، جاء الطبيب وأمر بنقلي إلى المستشفى، لكن أهلي رفضوا؛ في نظرهم أي دم يخرج من جسد أنثى عار وجب تجاهله".

إن الصرخة الإنسانية والإدانة التي تطلقها بشرى بحق قضية زواج القاصرات، هي صرخة تأتي محمولة على بساط الكتابة الإبداعية بعيداً عن التقريرية، وبدا فهي تصل إلى خفق قلب القارئ قبل أن تجد طريقها لوعيه، وهي بذا تشكل نصاً مفتوحاً على البقاء، ومفتوحاً على عدد لا منته من القراءات والتعاطف، وهو قبل هذا وذاك نصٌ يؤرخ ويوثّق للحظة الاجتماعية العابرة، ويقول ما تحت سطح الواقع.

نصوص بشرى، متنوعة لكن وجع المرأة هو مفتاح الدخول إليها، ودائما يأتي هذا الوجع معجوناً بالموروث الشعبي، ويأتي متلوناً بالممارسة الحياتية البسيطة. في نص "البريسم" نرى امرأة تعيش عمرها مصحوبة بنبوءة غجرية. تعيش حياتها وقد وضعت تلك النبوءة القاسية موضع الفحص: "أخبرتها الزطية؛ أنها ستدفن أهلها وكل من تحب". كيف يمكن لنبوءة عابرة أن تقود حياة امرأة، وهل تراها حيواتنا نبوءات عابرة، تنتهي بموت من نحب؟

بشرى خلفان، اسم لكاتبة عُمانية أخذت سمعة عربية واسعة، نظراً لتأكيدها على موهبتها في الكتابة، وثانياً لتنوع وثراء تجربتها الإبداعية. فقارئ بشرى يجد نفسه مشدوداً للغة بلّورية منقاه، وقادرة على حمل الكثير من المضامين الإنسانية والتراثية، وهي تقدم البيئة العمانية بشكل لافت، مما يضمن لها مكانة مهمة بين الإبداع العربي المعاصر.