قال الموجز الاقتصادي الصادر عن بنك الكويت الوطني، إنه بعد طول انتظار وترقب، أعلنت السلطات السعودية في 28 ديسمبر الماضي ميزانيتها لعام 2016، متوقعة تسجيل عجز مالي يصل إلى 326.2 مليار ريال (87 مليار دولار)؛ نتيجة بلوغ المصروفات 840 مليار ريال (224 مليار دولار)، والإيرادات 513 مليار ريال (137 مليار دولار).

Ad

وبحسب الموجز، اكتسبت الميزانية الجديدة أهمية إضافية في ظل  المخاوف حول الاستدامة المالية نتيجة تدنّي مستويات أسعار النفط، كما شهدت الاحتياطات الأجنبية للمملكة تراجعاً عام 2015، على خلفية التراجع في الإيرادات النفطية نتيجة انخفاض أسعار النفط ذلك العام أيضاً، إضافة إلى ارتفاع المصروفات نتيجة كل من المنحة المقدمة من قبل الملك سلمان فور تسلّمه الحكم والتدخل العسكري في اليمن.

وفي التفاصيل، أصدرت المملكة أول دين سيادي لها منذ عام 2007 في يوليو عام 2015، وفي أواخر شهر أكتوبر الفائت، تضاعفت مخاوف الأسواق نتيجة تخفيض وكالة التصنيف الائتماني «ستاندرد آند بورز» التصنيف الائتماني للسعودية بواقع درجة واحدة إلى مرتبة A+.

وتعالج الميزانية الجديدة أهم التحديات المالية التي تواجهها المملكة؛ من خلال التحكم بمستويات الإنفاق مع المحافظة على الاستثمار الكافي لتنشيط وتنويع الاقتصاد غير النفطي.

وخفضت السلطات الإنفاق بواقع 2.3 في المئة مقارنة بميزانية العام الماضي، وبواقع 13.8 في المئة مقارنة بالإنفاق الحقيقي لعام 2015، في محاولة منها للتقليل من العجز المالي الذي يقدّر ارتفاعه إلى 367.5 مليار ريال (98 مليار دولار)، أو ما يعادل 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2015.

ويتوقع أيضاً أن تتراجع الإيرادات بواقع 15.0 في المئة من ميزانية العام 2015 وبواقع 15.4 في المئة مقارنة بتقديرات الإيرادات الحقيقية لهذا العام.

وتأمل السلطات أن يساهم هذا الخفض في التقليل من العجز لسنة 2016 إلى 326.2 مليار ريال (87 مليار دولار).

وبينما لم تشر ميزانية عام 2016 لسعر النفط المقدّر، نتوقع أن يصل إلى ما يقارب 40 دولاراً للبرميل، ويأتي هذا السعر بناءً على التوقعات باحتفاظ السعودية بمتوسط إنتاجها لعام 2015 والبالغ 10.2 ملايين برميل يومياً.

وتشير وزارة المالية إلى أن السعودية تعتزم الاستمرار في تمويل عجزها المالي، من خلال إصدار أدوات الدين، كما تدرس الحكومة خيار السندات العالمية لتفادي التضييق على السيولة المحلية والحدّ من أي أثر سلبي على نمو القطاع الخاص.

وستستمر الحكومة أيضاً في السحب من احتياطاتها الأجنبية، لكن بوتيرة أبطأ، حيث تراجعت الاحتياطات بواقع 96 مليار ريال أو 13.2 في المئة عام 2015 لتصل إلى 635 مليار ريال بحلول نهاية شهر نوفمبر الذي ما زال كبيراً.

ورغم إجراءات التعزيز المالي، فإن الحكومة لا تزال تضع تنمية قطاع التعليم والقطاع الاجتماعي والاقتصادي وقطاع الدفاع والأمن أيضاً من ضمن أولوياتها في خطط الإنفاق.

إذ تخصص الميزانية نسبة 35 في المئة من إجمالي المصروفات للتعليم والصحة والتنمية الاجتماعية، وهو ما يتماشى مع النسبة التاريخية لتلك القطاعات التي تتجاوز 30 في المئة، في حين ستظل لقطاع الدفاع والأمن الحصة الأكبر من الإنفاق الحكومي بنسبة تبلغ 25 في المئة.

ويعكس هذ الأمر استمرار السعودية في التدخل العسكري باليمن والمخاوف من تزايد التطورات الجيوسياسية في المنطقة.

وفي حين لم تتضمن الميزانية أي تفصيل عن المصروفات الرأسمالية والجارية، لكن من السهل استنتاج قيام السعودية بخفض الإنفاق على مشاريع البنية التحتية كردة فعل أولى للتراجع المستمر في أسعار النفط، حيث تشير الميزانية إلى انخفاض المخصصات لمشاريع البنية التحتية والنقل بواقع 63 في المئة لتصل إلى 23.9 مليار ريال (6.4 مليارات دولار) وهي أكبر نسبة انخفاض في مكونات الإنفاق.

وتتضمن الميزانية أيضاً بنداً جديداً يسمى «مخصصات دعم الميزانية»، الذي يفترض أن يساهم في معالجة تراجع الإيرادات الناتج عن تقلب مستويات أسعار النفط، ويشكل هذا البند 22 في المئة من ميزانية المصروفات وسيتم تخصيصه لهذا الغرض.

السلطات تقدّم عدداً كبيراً من الإصلاحات على الدعم والاقتصاد

وفي خطوة مهمة، أعلن مجلس الوزراء عدداً من الإصلاحات بشأن بعض المسائل الحساسة سياسياً كالدعم والضرائب، وتم الإعلان عن أول الإصلاحات بعد يوم من الإعلان عن الميزانية.

وتشمل تلك الإصلاحات رفع أسعار البنزين بواقع 20 - 25 في المئة ورفع أسعار الكهرباء والماء، حسب شرائح الاستخدام (بنسبة تصل إلى 26 و 100 في المئة للاستخدام المكثف على التوالي)، بالإضافة إلى رفع أسعار المواد الغذائية وأسعار الطاقة للمستخدمين من قطاع الصناعة.

ويمكن أن يتم رفع أسعار التبغ والمشروبات الغازية، وتنوي الحكومة أيضاً تطبيق قانون ضرائب القيمة المضافة بصورة تدريجية أسوة بتحركات دول مجلس التعاون الخليجي المجاورة.

كما قدمت الحكومة حزمة من الإصلاحات الهيكلية لتنفيذها خلال السنوات الخمس المقبلة، وتشمل هذه الإصلاحات خصخصة عدد من الجهات والقطاعات الحكومية للتقليل من النظام البيروقراطي الذي يعانيه القطاع الخاص، وزيادة الشفافية والمساءلة وتوفير فرص الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، إضافة إلى تحسين وتطوير أداء القطاع الحكومي.

وتنوي السلطات أيضاً إنشاء جهة تابعة لوزارة المالية من شأنها إدارة ومتابعة الدين الحكومي، وإنشاء وكالة وطنية لإدارة المشاريع تعنى بمراجعة مشاريع الحكومة ومتابعتها والتحكم بمستويات الإنفاق الرأسمالي.

ومن المحتمل أن تكشف الحكومة عن المزيد من الإصلاحات المماثلة وخططها على المدى الطويل، وذلك خلال هذا الشهر فور إطلاق السلطات لخطة التحول الوطني لعام 2020.

ويفترض أن تغطي الخطة القوانين التي تنوي الحكومة إصدارها من أجل تنويع مصادر الدخل، وتحسين إنتاجية القطاع الحكومي، والحد من الهدر في الإنفاق الجاري، وتسريع وتيرة الخصخصة إضافة إلى تقديم بعض الإصلاحات لدعم الطاقة.

الأوضاع المالية في 2015

أفضل من التوقعات

وتشير السلطات إلى تسجيل السعودية عجزاً مالياً بواقع 15.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي (367 مليار ريال) عام 2015.

ويعد هذا أكبر عجز تسجله المملكة والثاني على التوالي بعد العجز الذي تم تسجيله عام 2014 بواقع 2.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

لكن هذا العجز جاء أفضل من توقعات صندوق النقد الدولي وبعض الجهات الأخرى (من ضمنها توقعاتنا) التي رأت تسجيل عجز بنسبة تصل إلى 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

ويقدر تراجع الإنفاق الحقيقي عام 2015 بنسبة 14.5 في المئة من مستوياته عام 2014 ليصل إلى 975 مليار ريال (260 مليار دولار). وباستثناء المنحة بمناسبة تولي الملك سلمان الحكم، التي تقدّر تكلفتها على خزينة المملكة 88 مليار ريال (23.5 مليار دولار، وتشكل 77 في المئة من الزيادة في المصروفات)، وباستثناء أيضاً تكاليف التدخل السعودي العسكري في اليمن، يتبين أن الإنفاق شهد تراجعاً أكبر.

وتعد هذه المرة الأولى منذ عام 2002، التي تشهد فيها المملكة تراجعاً على أساس سنوي في النفقات، كما تراجع التجاوز في الإنفاق من الميزانية إلى أقل من متوسط الخمس سنوات البالغ 25 في المئة و 33.3 في المئة عام 2014 وإلى 13.4 في المئة عام 2015.

ومن أهم العوامل التي ساهمت في هذا التراجع الزيادة في التضييق على الإنفاق الرأسمالي، فإذا نظرنا إلى قيمة العقود الحكومية التي تمت ترسيتها عام 2015، يتضح أن السلطات قللت نفقاتها من 184 مليار ريال (49 مليار دولار) في عام 2014 لتصل إلى 118 مليار ريال (31.5 مليار دولار) مسجلة تراجعاً ملحوظاً بواقع 36 في المئة.