هناك الكثير مما يمكن التطرق إليه في ما يتعلق بـ «أرامكو»، إلا أن ما يهمنا هو كيفية الاستفادة في الكويت من هذا الطرح الأوّلي الضخم عبر تلمُّس الفوائد المتنوعة على مختلف القطاعات.

Ad

كان لافتا إعلان السعودية نهاية الأسبوع الماضي طرح شركة الزيت العربية السعودية (أرامكو)، أضخم مؤسساتها الاقتصادية، للاكتتاب العام على المواطنين، في خطوة من المتوقع أن تجعل "أرامكو" أكبر شركة في العالم من حيث القيمة السوقية، متجاوزة كلا من "أبل" و"أكسون موبيل" وغيرهما من كبريات الشركات العالمية.

أرقام وأصول

ووفق التقرير السنوي لشركة "أرامكو" لعام 2014، فإن احتياطيات النفط الخام والمكثفات القابلة للاستخراج بلغت 261.1 مليار برميل، وتبلغ الطاقة الإنتاجية القصوى من الزيت الخام لـ "أرامكو" نحو 12 مليون برميل يوميا، في حين وصلت صادراتها من الزيت الخام 2.54 مليار برميل، أما احتياطيات الغاز فتبلغ 294 تريليون قدم مكعبة قياسية، وبلغ عدد موظفي الشركة بنهاية 2014 نحو 62 ألفا، 83 في المئة منهم سعوديون.

ومن المتوقع أن تطرح السعودية للاكتتاب حصة لم يتم تحديدها حتى الآن، إلا أن معظم الاحتمالات تتأرجح بين 5 و15 في المئة من إجمالي رأسمال الشركة، من خلال كيان يجمع بين أنشطة الشركة "المصب والمنبع"، وفق تصريحات رسمية.

تلمس الفوائد

بالطبع هناك كثير مما يمكن التطرق إليه في ما يتعلق بـ "أرامكو"، إلا أن ما يهمنا هو كيفية الاستفادة في الكويت من هذا الطرح الأولي الضخم عبر تلمس الفوائد المتنوعة على مختلف القطاعات، إذ من المتوقع أن تستخدم الأموال العائدة من قيمة الاكتتاب في تمويل عجز الميزانية السعودية، الى جانب خلق قيمة مضافة للمتداولين في سوق الأسهم السعودي، وجذب أموال أجنبية للاستثمار في شركة بحجم "أرامكو"، فضلا عن وضع الدولة حلولا ادخارية للمواطنين، عبر طرح أدوات استثمارية تمتص السيولة بدلا من صرفها على منتجات استهلاكية بلا فوائد اقتصادية.

وهذه الفوائد الأولية يمكن استنساخها في الكويت عبر طرح نسبة معينة من الشركات والمشاريع النفطية والكبرى للاكتتاب العام - للمواطنين لا الشركات - إذ إن طرح نسبة أقلية من مؤسسة البترول أو إحدى شركاتها التابعة أو حتى مشروع الوقود البيئي أو المصفاة الرابعة أو مدينة الحرير أو استثمار الجزر وغيرهما كثير، سيحقق قيمة مضافة للبورصة وعوائد جيدة للمستثمرين، ويستقطب مستثمرين أجانب، فضلا عن أثر على المدى القصير يتعلق بتمويل جزء من عجز الموازنة من خلال عائد الاكتتاب.

ولعله من قبيل التذكير، فإن أسهم شركات "سيادية" كنفط الكويت وناقلات النفط والخطوط الكويتية كانت متاحة للتداول في السوق الكويتي في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، قبل أن تؤمم الدولة ملكيتها بالكامل.

بورصة مريضة

وبالنظر الى بورصة الكويت، نجد أنها تضم 191 شركة، في حين يضم سوق الأسهم السعودي 166 شركة، ومع ذلك تصل تداولات "السعودي" - شهريا - إلى نحو 32 إلى 34 ضعف تعاملات السوق الكويتي، كذلك لا يصل إجمالي الشركات المدرجة في أسواق دبي وأبوظبي وقطر مجتمعة إلى عدد الشركات المدرجة في بورصة الكويت، غير أن كل واحدة من هذه البورصات منفردة تتداول في شهر واحد ما يوازي 1.5 مرة الى 3.2 مرات من تعاملات سوق الكويت خلال الفترة نفسها.

ولا شك في أن هذه الأرقام تعطي مؤشراً عن أزمة كبيرة في بيئة البورصة الاستثمارية، يعبر عن جانب منها النمو المتواصل في ودائع القطاع الخاص، الذي بلغ وفق آخر إفصاح لبيانات بنك الكويت المركزي عن شهر أكتوبر الماضي، 33.3 مليار دينار، بنسبة نمو 3.1 في المئة منذ بداية العام، فضلا عن نمو يناهز 100 في المئة منذ بداية الأزمة المالية العالمية عام 2008، وبالتالي فإن الجهد يجب أن ينصب على جذب جانب من هذه السيولة الى البورصة... ولكن كيف؟

طرح واستقطاب

أول خطوة تتمثل في طرح نسب من الشركات والمشاريع الكبرى الحكومية للاكتتاب العام، الى جانب استقطاب الشركات التشغيلية المحلية والإقليمية للإدراج في البورصة، وهي شركات تشكل قيمة مضافة في قطاعات خدمية وغذائية وصناعية وغيرها، فهذه الشركات ستمثل استثماريا خيارا جيدا للمستثمرين مقابل عشرات الشركات غير المنتجة في البورصة، والتي باتت تمثل عبئا على التعاملات والمؤشرات ولا تستقطب أكثر من 5 في المئة من إجمالي السيولة، رغم أن عددها يوازي نصف الشركات المدرجة في البورصة!

ولعل البورصة تدفع اليوم ثمن فترة تم فيها استسهال إدراج شركات تمثل شحوما زائدة عن الحاجة، لدرجة أنها باتت عبئا على السوق، مقابل ندرة الشركات التشغيلية الحقيقية، مما يجعل السيولة تتراجع لمستويات ضئيلة جدا، الأمر الذي يجعل التفكير في استنساخ نموذج "أرامكو" في السوق الكويتي خيارا عالي الجودة لفائدة البورصة والمستثمرين وتشجيعا للادخار.