كلهم «دواعش»
إن آخر صراعات التيار الديني السياسي هو صراع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) مع القاعدة وفروعها لكن الأصل هما حزب الإخوان المسلمين والحركة السلفية، وعمل هذه الجماعات واحد مهما اختلفت المسميات والأساليب، واللعبة السياسية تقتضي أن تكون هناك خلايا نائمة، لكنها في الحقيقة ليست كذلك بل عليها مهمة الترويج لفكر تلك الجماعات، فمرة تطرح نفسها وسطية ومرة معتدلة وأخرى دينية غير سياسية. وأكثرها تطرفا تلجأ إلى العنف بكل وسائله تمارسه وتسميه جهادا وأساسا موجها ضد المسلمين العرب والأبرياء منهم، لكن في التقييم النهائي لكل تلك الفروع نصل إلى نتيجة واحدة هي أنها جميعا تنتمي إلى فكر واحد مهما اختلفت أساليبها وهو التطرف، ولجأت في عملها في مرحلة تاريخية إلى العنف ومن أشكاله التطرف الفكري، أما أين وكيف، ومن يقوم بذلك، فهذه ليست خافية اليوم على أحد، ففي الفترات التي تعاني تلك القوى مشكلات على أرض الواقع تلجأ إلى الأسلوب الدعوي والعمل الخيري كانحناء للعاصفة وحماية لأفرادها، لكن نهجها لن يتغير.
كما أننا نسمع ونقرأ أطروحات بأنها مظلومة من الأنظمة السياسية، وأنها مهمشة ومحاربة، وفي الحقيقة هي تعمل في السر والعلن، وتملك الإمكانات المادية، وتلجأ إلى تزييف إرادة الناس في الانتخابات مستغلة ضعف وعيهم السياسي أو الحاجة المادية في بعض المناطق أو الأمية في مناطق أخرى، وهنا يمكن إثارة بعض الأسئلة: إذا كان "داعش" كما يتضح من اسمه يريد إقامة دولته في العراق والشام، فما معنى أعمال العنف التي يقوم بها في ليبيا وغيرها؟ وإذا كان حزب الإخوان المسلمين قد أعلن أنه لا يرغب في ترشيح شخص لرئاسة الجمهورية في مصر عام 2012 فلماذا رشح فيما بعد أكثر من واحد لهذا المنصب؟ وإذا كانت الحركات السلفية تسعى، كما تدّعي، إلى وحدة المسلمين فلماذا تعادي الشيعة؟ وإذا كان النظام الإيراني وولاية الفقيه إسلاميا فلماذا يطرح قضايا عنصرية مثل الإصرار على تسمية الخليج بالفارسي؟ وإذا كانت "القاعدة" تجاهد الكفار والاستعمار، فلماذا ضحاياها من المسلمين، ولم تقم بعمليات ضد الاستعمار الإسرائيلي؟ وإذا كانت بعض قوى الإسلام السياسي مؤمنة بعودة دولة الخلافة، كما تعلن، فلماذا يطرح بعض أقطابها تأييدهم للدولة المدنية؟ وإذا كانت تلك القوى تؤمن بالشورى والقانون الإلهي لا القانون الوضعي فلماذا توافق على الدساتير وتخوض الانتخابات في الدول العربية وغيرها؟ وإذا كانت تلك القوى في ذلك التيار تؤمن بحقوق الإنسان، وحماية النفس البشرية كما ينادي بذلك الدين الإسلامي، فلماذا يلجأ بعضها إلى قتل الأبرياء من المسلمين وغيرهم؟ وإذا كانت تلك القوى لديها قيم أخلاقية فما معنى سلوك "داعش" في الاغتصاب والاعتداء المستمر على تلك القيم؟إن تلك القوى تملك التنظيم الحزبي، وهذا الذي يبقيها على قيد الحياة، هذا من جهة ومن جهة أخرى ضعف وتشتت التيار المضاد لها، ولذلك هي تلعب في الساحة كما تريد.إن تيار الإسلام السياسي بحاجة إلى مراجعة ونقد فكره وأسلوبه، وإن الناس والنخب السياسية قد عرفت وكشفت ذلك، وإنه يعيش مرحلة الانحدار والاضمحلال والتفكك، والدليل اللجوء إلى التطرف والعنف السادي الذي لا يقبله عقل ولا منطق، فهناك معلومات عن أن بعض قوى هذا التيار تتاجر بالمخدرات في أفغانستان ولبنان وغيرها، واستخدام تلك الأموال فيما يسمى بالجهاد حسب مفهوم تلك القوى كيف؟ ولماذا؟