الأديان من منظور غربي... في ندوة بالقاهرة
«الدين موضوعاً للعلوم الإنسانية» عنوان ندوة أقامها المركز المصري للترجمة، تناول خلالها أحدث إصداراته في هذا السياق «بيولوجيا السلوك الديني» و«الإنثروبولوجيا الاجتماعية للأديان» و«منابع الأديان». أدار اللقاء د. أنور مغيث، بحضور المترجمين د. شاكر عبد الحميد ود. أسامة نبيل، والقس إكرام لمعي، والشيخ خالد حماية، ولفيف من المثقفين.
لفت مدير مركز الترجمة المصري د. أنور مغيث إلى أن «الدين موضوعاً للعلوم الإنسانية» يرتكز على ترجمة أحدث الإصدارات في هذا المجال، بوصفه ظاهرة حديثة ترتبط بظهور علوم توافرت لها موضوعاتها ومناهجها، ولكل دين من الأديان علومه ومعارفه، وهو ما زال مطروحاً للبحث، ومشتبكاً مع مفردات الحياة الإنسانية، ومناحيها المختلفة. كلام د. مغيث جاء في ندور بعنوان «الدين موضوعاً للعلوم الإنسانية» أقامها المركز المصري للترجمة في القاهرة، تحدث خلالها أيضاً د. شاكر عبد الحميد عن ترجمته «بيولوجيا السلوك الديني»، موضحاً أن الكتاب حرّرته مجموعة من الباحثين، ويسعى إلى معرفة السلوك الديني وعلاقته بالظاهرة البيولوجية، عبر التاريخ التطوري للبشر، وكيفية تغلبهم على مشكلاتهم بالسلوكيات الأكثر كفاءة، مثل التكيف مع البيئة، والعمل والبناء والابتكار والإبداع.
وأثبتت الدراسات البيولوجية أن للدين فوائد وخبرات إيجابية، بمعنى الإيمان والرضا والتسامح والأخلاق الطيبة، والفطرة الدينية، وتشكّلها في منطقة ما قبل الشعور، وهي تساعد على تنشيط الذاكرة والمسار العصبي، وتستحضر انفعالات التعاطف مع الآخرين. كذلك ألمح د. عبد الحميد إلى أن الكتاب تناول المشاعر الدينية الطيبة كحقيقة علمية، مثل ارتباط الشعور الديني بالصحة، والتفاعل الاجتماعي والتعاون والإيثار، وارتكز على نظرية داروين من منظور أن الإنسان يتطوّر ويرتقي، وقادر على التكيف ومواجهة المشاكل، واختيار أفضل الحلول لها. وأكّد أن النظرية التطورية الداروينية لا تتعارض مع الدين، على نحو مرسل فثمة تشابهات واختلافات، وإمكانية لدراسة السلوك الديني، واعتباره محاولة للتكيف مع البيئة والآخرين، ومع الداخل والخارج، والإرتقاء بالإنسان، لجعله أفضل في الدنيا والآخرة. انتهى د. عبد الحميد إلى أن «بيولوجيا السلوك الديني» يؤكد أن الطقوس الدينية تساعد في إنتاج هرمونات عصبية مرتبطة بمشاعر السعادة، وتقوية جهاز المناعة، موضحاً أن في الكتاب فصلاً حول الخلايا المهاوية «ميلور ليرون» الموجودة بالمخ كنشاط، وليس في مكان معين، وقد اكتشفها العالم الإيطالي دوريل كاريزي عام 1990، وهي تقوم بعملية المحاكاة، مثل طفل يحاكي والده وهو يصلي، ومن الممكن تطبيقها على دراسات التربية والتصور للدين لدى الأفراد والجماعات والشعوب. قبول الآخر من جهة أخرى قال مدير مرصد الأزهر د. أسامة نبيل، ومترجم كتاب «الإنثروبوجيا الاجتماعية للأديان» إن الأخير أحد المراجع المهمة، والداعية إلى التعايش وتقبل الآخر، رغم الاختلاف العقائدي، ولو نظرنا إلى سلوك داعش سنجده إنسانياً وليس دينياً، موضحاً أن العلم يتعامل مع الفكر المتطرف في أطره الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ويحلل طبيعة الصراعات الدائرة، ومن بينها نزاعات طائفية تؤجج الفتن، وتقسم الأوطان. أشار نبيل إلى أن الكتاب ينطلق من فكر مثالي، وينتقد السحر والشعوذة، والخلط الشديد بين ثوابت الدين والممارسات، مثل الاعتقاد في الأضرحة والولي، وهذه أيديولوجيا وليست ديناً، وثمة طقوس غريبة مقارنة بالعادية، لا سيما أن الخرافات موجودة في مجتمعات العالم كلها، ويرجع بعضها إلى نواة حقيقية في زمن ما. ألمح نبيل إلى الخطأ في اعتبار أن ثمة تناقضاً بين أصل الشعوب والفكر الإنساني، مؤكداً أن القواسم المشتركة بين الثقافات كثيرة، واللحظة الراهنة تقتضي دوراً فاعلاً للمؤسسات الدينية، وهو ما يقوم به الأزهر راهناً على المستوى الإقليمي والدولي، متصدياً للفتاوي التكفيرية، ومؤكداً وسطية الإسلام.منابع الأديانتناول القس إكرام لمعي كتاب «منابع الأديان» ترجمة د. فوزية العشماوي (المعتذرة عن عدم الحضور)، وأضاء جوانب وافية من فصوله، وجذور التدين المتمثلة في الحضارة المصرية القديمة، ولدى الشعراء والفلاسفة في العصرين الإغريقي والروماني، وظهور الأديان الوثنية القديمة، موضحاً أن ظاهرة الأديان لم ولن تنتهي. وقال لمعي إن سقراط استخدم لفظ الله في محاكمته، وإن الأديان الوثنية كانت جزءاً من السياسة والاجتماع، وانفصلت عنها بظهور لاهوت منظم لهذه العلاقة، مبيناً أن ثمة ميلاً طبيعياً للإنسان نحو الدين، وراهناً يسود التسامي فوق الاختلاف من بعض المؤسسات الدينية، رغم الخلافات العقائدية، ما جعل الإيمان يستمرّ في عصر الحداثة وما بعدها.انتهى لمعي إلى ورود بعض الأخطاء في فصول الكتاب، مثل استبدال كلمة رئيس الكهنة بالمطران في صفحة 135، وذكر أن المذكور أن السيد المسيح في العشاء الأخير، تناول الخبز ثم حمد الله، والصحيح أنه صلى أولاً. كذلك أشار إلى غياب الصفحات عن تناول علاقة الدين والسياسة، مثل دور اللوبي الصهيوني في التأثير على القرارات الأميركية. من جهته، دعا إمام جامع السلطان حسن بالقاهرة الشيخ خالد حماية إلى خروج القارئ العربي من دائرة {نظرية المؤامرة} والتعرف إلى ثقافة الآخر، بوصف العلوم الإنسانية تستهدف الارتقاء البشري عموماً، والكتب الثلاثة موضوع الندوة، تدعونا إلى التواصل مع المناهج الغربية في دراسة الأديان، وتوضح كيف يتعامل الباحث هناك مع الدين عبر العصور، وينطلق من نحو سبع مناهج، مثل منهج داروين، والأخير طوّر نظريته عبر 20 سنة من عمره، ومن بعده استحدثت نقلات نوعية للداروينية، وأصبحت أحد المناهج المقبولة لدراسة الأديان.