عربة اللحظة العابرة
![طالب الرفاعي](/theme_aljarida/images/authorDefault.png)
لقد أثبتت قوانين الفيزياء أن وجود الإنسان في عربة متحركة، يُكسب كتلة جسمه ذات السرعة، ولذا تبقى أجسادنا مندفعة إذا ما توقفت العربة بشكل مفاجئ. وهو ينطبق على وجودنا الكبير في عربة الزمن واللحظة العابرة. فمن يعِشْ في ظل عوالم شبكات التواصل الاجتماعي فهو في عربتها ووعيه يتحرك بسرعتها، حتى لو لم يدرك ذلك. فأي صاحب حساب على "تويتر"، يعرف أن حدوده 140 حرفاً، وهو يدرك أن بإمكانه الكتابة بما يشاء، لكن عليه أن يقطع مقالته لجرعات محددة، ومؤكد أن هذا التقطيع يأتي على حساب المقالة. على أن ركاب عربة "تويتر" يعرفون جيداً أن طبيعة أجواء العربة تقول إن الجمهور يتابع بلهفة السطر لا السطرين، ويقف أمام الجملة أكثر من السطر. وهو عاشق مولع يردد جملة أخرى مكثفة ومختصرة، تنطلق كالسهم يتداولها الجميع إذا كانت ناطقة بهواجس أرواحهم، هي هي؛ ما خف وزنه وغلا ثمنه. المتعامل مع تقنيات العصر، بدءاً من الكمبيوتر والتلفون الذكي، مروراً بمواقع شبكة الإنترنت، وانتهاءبعوالم شبكات التواصل الاجتماعي يتولد لديه وعي بطبيعة اللحظة الإنسانية العابرة، وأنها تميل للإشارة والرمز على حساب الكلمات، وتقف أمام الكلمات لتعدها. ولذا ما عادت جهة تطلب من كاتب أن يدون لها مقالاً بعدد الصفحات، بل تطلب منه مقالاً بعدد كلمات محدد لا يمكن تجاوزه.لقد ركبنا عربة تقنيات العصر، وشيئاً فشيئاً تطبعت أرواحنا بطابعها فنرسل معايدة العيد برسالة "وتس آب" ونتذكر مواعيدنا بتنبيهات التلفون. وننطلق إلى أي مكان بناء على اتجاهات الطريق التي ترسمها خرائط "غوغل". ولأن كل ما في العربة راكض ولاهث ومتغير، فإننا صرنا نعبر على خبر الموت، مثلما نمرّ على نتائج أي مباريات. واستطاعت العربة بهدوء أن تجعلنا نتنفس هواءها، ويأخذ طريقه لخلايا أرواحنا دون انتباه أو اعتراض.الكتابة الإبداعية في أي لحظة إنسانية عابرة هي انعكاس لتلك اللحظة. وإن عجزت عن تمثل روحها بل وتجاوزها، فلقد سقط عنها أحد أهم شواهد نجاحها. التكثيف والاختصار والرمز والإشارة رموز للحظة الإنسانية التي نحيا، وإذا صادف أن عمي أو تعامى كاتب عنها فهو بذا يتعامى عن نبض عصره. مازال البعض يكتب المطولات، هذه المطولات تحتاج إلى عبقرية كي تبقى متدفقة ومغرية تجذب القارئ، وتحتاج إلى عبقرية أخرى كي تقول برؤيتها، فكل عمل إبداعي صار مطلوباً منه أن يحمل رؤية وإلا صار "عابراً في زمان عابر".