صدَر عن دار «الفارابي للنشر والتوزيع» كتاب «عذراء أيلول» للكاتب اللبناني نضال محمد الحاج علي، وهو عبارة عن شعر وخواطر نثرية قصيرة في الحب والوطن. يقول الكاتب في المقدمة: ما أكتبه ليس سرداً لتجارب خاصة أو لسيرة ذاتية كما قد يظنّ البعض... أكتب من أجل الكلمـة لنشرهـا وتأكيد حضورها، للروح الإنسانية التي ما زالت تجول في المحيط تحمي أركان القضية، للنفس العزيزة التي ما زالت ترفع لواء التجربة الحرة، لكل حبيب وصديق وأخ ورفيق ما زال يتمسك بمشاعره الصادقة، لكل مراهق ومراهقة في أول طريق مشوارهما يسيران ولا نتمنى لهما التوقف، للجميع من دون استثناء... والأهم للوطن الحاضن لنا في حلِّنا وترحالنا، للوطن الذي نرفع له الراية نحميها ولا تسقط، ندافع عنه ولا نستسلم»...

Ad

«أن أكتب، يعني أن أجعل قلبي غيمة تُمطر على جروحي برداً وسلاماً، أو تحمل عني تعب الأيام وعتبها وغضبها، وجعها وقسوتها، والفرح الممطر مثل شهد الكلمات.

أن أكتب، يعني أن أحيا كل يوم مرتين: مرة حين ينسكب الحبر الأبيض النقي فتُقيم الأفكار أعراسها، ومرة حين يهيم المعنى في الروح فتعلو وتعلو حتى تنال رضا السماء.

حكايتي بدأت في كلمات أول المشوار واجتازت البحر بين عاطفتي وأنتِ...  توقفت في رحلة طويلة رائعة في عالم عذراء أيلول، تلك الرحلة التي لن تنتهي ولها سطور عدة في صفحات كثيرة لكتبٍ مقبلة»... بهذه الكلمات قدَّم الكاتب اللبناني نضال محمد الحاج علي كتابه الجديد «عذراء أيلول» في طبعته الأولى الصادرة عن دار «الفارابي للنشر» في بيروت، حيث رسم خلاصة من تجربة حياة بحلوها ومرها بالشغف الدائر فيها كراقصة جذلى، أو بالوجع الحائر كيف يُجرِّعنا الأرق في الليالي، باللهفة التي يرسمها حضور امرأة على محيانا، أو بالفرحة التي يغزلها بين أيدينا طفل شقي، أو يزرعها على دروب العمر صديق وفي.

جمع الحاج علي بين طيات كتابه الذي يقع في خمسة فصول بين السرد والشعر، وبأسلوب أدبي رائع عكس بساطة الكلمات وعمق الأفكار ليُنتج لنا من بستان كلماته رحيقاً صافياً سهل المنال.

وكان الفصل الأول «حروفك نبض للعشق» محاورة جميلة بين «هي» و{هو» ... وهو الذي لا يريد من أوراقه سوى جمع دموعه في مكان واحد، ويحب أن يرى حجم الندم الذي سبقت نفسه إليه، الذي لن يمنع عينيه من النظر الى جروحه، ولن يمنع عينيه من النظر إلى جروحه، ولن يمنع روحه، وهو يغادرها، «من الاعتذار كل يوم وكل ليلة منك أنت... أنت التي ما زلت أكبر مني، وأعظم من كلماتي وأطول من نخلة أحزاني، وأعمق- آلاف المرات- من بحر دموعي».

لترد «هي»: هل تراك تذكرت مرة واحدة حماستنا الكبيرة لأن نغامر ونسافر؟ نرقص ونشرب الدنيا، ونمارس طقوس حياتنا كما نشاء، في كل شبر من هذا الكون؟ كنا من عمق الحب وعنفوانه وغضبه قد توهمنا ذات مرة أننا سنكون أول عاشقين يفتحان نافذة الى السماء، ونمشي فوق القمر، فوق الزهرة، فوق كل أجرام الكون التي يفتحها العلم.

فلنأت معاً، أنا وأنت، ونغطي كل ذرة منها بالحب، حتى يجد العشاق في كل زمان ومكان الجرأة على الزيارة والاكتشاف والمحبة.

فيقول «هو»: نعم يومها مددت يدك وقلبك وقلت «أحبك»، واختلط نورك بنور السماء... لتستمر المحاورة الى أن يكون «هو» محطتها الأخيرة وتكون «هي» آخر المحطات.

دردشة مع قاتلي

في الفصل الثاني «دردشة مع قاتلي»، يقول الحاج علي: «أيها القاتل الصامت... كفاك تعذيباً لجسدي فوالله لن تهزمني! كفاك تمزيقاً لأنفاسي قلت لك لن أستسلم!». وجمع في الفصل الثالث «خربشات عاشق من عالم آخر» خواطر جميلة ومتنوعة ما بين الاشتياق إلى الحب والعشق، مع تساؤلات مشروعة لمشاعر لم تتغير مع دعوة ليعيش الحب بصمته، واعتراف مع طلب الانتظار، وكف التعذيب لحياته، فـ«أنتِ هي أنتِ» إلى «ألف تحية لكِ»، للوصول إلى إعلان الهزيمة.

ويقول الحاج علي في «ألم أقل لك؟»: «أنت يا من تسبح في بحر نفسك ألم أقل لك ابق على الشاطئ كي لا تغرق؟

ألم أقل لك لا تُصغ إلى المدعين واستيقظ من غفوتك؟ ألم أقل لك لا تذهب بعيداً في الصراخ ولا تتبجح وتنفخ في بوق غيرك وابق على بر الأمان؟ ها أنت تقتل نفسك في اليوم عدة مرات تشرب القهوة كمن ينتحر، تخسر ذاتك كمن يقامر ولا تسأل: أولئك الذين كانوا أبواقا حولك أين هم الان؟».

ليأتي الفصل الرابع بإبداعاته وروح الكتاب «عذراء أيلول»، والذي ما أن تبدأ فيه حتى يتملكك شعور حب الاستمرار الى النهاية، لتصل الى الفصل الخامس والأخير «تغريدات وطنية» حيث رسالة إلى بيروت، صاحبة الوجه الحزين، سيدة البحار والسماء.

بيروت الأنثى التي تمنح الخصب وتعطينا الفصول هي الحرية والرمز هي الأرز وهي هدية الرحمن ودرة الشيطان... أيها العالم... بيروت لا تطلب منك شيئاً، كل ما تطلبه أن تحبها، ولو قليلا.

يشكر الكاتب قراءه قائلاً: «كلماتي في هذا الكتاب وفي كل كتاب يُنشر ما كانت لتكون لولا الدعم الذي ألقاه من الحرصاء الغيارى عليَّ، والذين شحذوا همم أفكاري لإصدار كل كتاب وكتابة كل حرف لرسم الكلمة. فشكراً لهم جميعاً، آملاً أن أكون قد وفيت ما أملوه مني».

وفي الختام، يعدنا بأنه مستمر على وعده بتقديم الأفضل في المقبل من الأيام وأنه لن يتوقف قبل الوصول إلى الهدف الذي يسعى إليه، وهو يؤكد فكرته عدم السعي إلى الشهرة ولا الحصول على مركز في عالم الأدب، فالمهم بالنسبة إليه أن يجد أعماله مقروءة بين أحبائه وأصحابه وباقي أطياف المجتمع بمختلف شرائحه، خصوصاً الشباب الذين يرى أنهم بحاجة هذه الأيام إلى العودة إلى الواقع الثقافي الذي كان في الثمانينيات. ويتمنى أن تصل كلماته إلى الجميع ببساطتها وعفويتها التي يؤمن بها وسيستمر عليها من دون تغيير أو تجميل... فالكلمة الحرة الصادقة هي التي تبقى على طبيعتها وأصالتها...

ويبقى أن نقول أن لدى الكاتب أفكاراً وأحاسيس كثيرة لم تُكتب بعد وسيُحاول إيصالها إلى قلوب وعقول الجميع في لحظة ما، وهو يترك للقارئ أن يتأمل ويرسم ويفهم بالشكل الذي يُناسبه... ويبقى الإنسان هو المحور، والمحبة هي الأساس لاستمرارية الحياة...