وصل العاهل السعودي الملك سلمان إلى القاهرة، أمس، وسط إجراءات أمنية غير مسبوقة ومراسم استقبال حافلة، وكان الرئيس السيسي على رأس مستقبليه في ميناء القاهرة الجوي، في زيارة دولة تستمر 5 أيام، وتعكس رغبة البلدين في تطوير العلاقة بينهما، بعد الحديث عن خلافات بشأن ملفات إقليمية.

Ad

وسط مراسم استقبال حافلة، وإجراءات أمنية غير مسبوقة، امتدت لتشمل نطاق محافظات القاهرة الكبرى الثلاث (القاهرة – الجيزة – القليوبية)، وصل خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، إلى القاهرة ظهر أمس، في زيارة رسمية هي الأولى له منذ توليه منصبه.

وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في مقدمة مستقبليه في ميناء القاهرة الجوي، حيث عكست أجواء الاستقبال مدى اهتمام مصر بالزيارة، لكونها قطعت الطريق على شائعات حاولت إثبات فتور علاقات البلدين على خلفية تباينات في وجهات النظر السياسية تجاه عدة قضايا إقليمية. وسبق الزيارة إعلان وزير الخارجية سامح شكري أنه لا مجال للحوار المصري ـ الإيراني حالياً، كما بادرت شركة نايل سات المملوكة للدولة المصرية بحظر قناة "المنار" التابعة لحزب الله.

قمة "السيسي – سلمان" تأتي في ظل متغيرات دولية وإقليمية خطيرة، بينها إصرار إيران على التدخل في شؤون المنطقة، فضلا عن تصاعد نفوذ جماعات متطرفة في المنطقة، ما اعتبره مراقبون يصب في تقوية التضامن العربي، لكون البلدين يمثلان قطبي المواجهة على الصعيد الأمني والسياسي.

السيسي رحب بزيارة سلمان، عبر حسابه الرسمي بموقع التواصل "تويتر"، في حين قالت الرئاسة المصرية، في بيان رسمي: "الملك سلمان ضيف عزيز على مصر بلده الثاني، والزيارة تشهد ترحيبا كبيرا من جانب مصر قيادة وحكومة وشعبا، لاسيما أنها تعكس خصوصية العلاقات المصرية السعودية".

واستعرض الزعيمان حرس الشرف في قصر الاتحادية الرئاسي – شرق القاهرة – وأطلقت مدفعية القصر 21 طلقة، ثم عقد الزعيمان عقب مراسم الاستقبال، جلسة مباحثات ثنائية، تناولت ملفات التعاون المشترك بين البلدين وتطورات أوضاع المنطقة، فضلا عن بحث مواجهة ما يتعرض له الأمن القومي العربي والخليجي من مخاطر، وعلمت "الجريدة" أن الرئيس السيسي قرر منح الملك سلمان، قلادة النيل (أعلى وسام مصري) تقديراً لمواقف المملكة إزاء مصر وشعبها، في حين يعقد السيسي وخادم الحرمين مؤتمرا صحافيا، اليوم.

اتفاقيات

وفي الشق الاقتصادي، عول مراقبون على أهمية الاتفاقيات التي سيعقدها الجانبان، إذ تصل إلى نحو 14 ما بين اتفاقية ومذكرة تفاهم، وقال الناطق باسم الرئاسة المصرية، السفير علاء يوسف، إن الزعيمين سيعقدان اليوم، جلسة مباحثات ثنائية يعقبها حضور مراسم التوقيع على عدد من الاتفاقيات بين البلدين، تتضمن 14 اتفاقية في مجالات عدة، وأوضح مصدر مطلع، لـ"الجريدة"، أن الاتفاقيات تشمل إقامة منتجع سياحي في منطقة رأس سدر بقيمة 700 مليون دولار، ومنطقة صناعية في محافظة الفيوم، إلى جانب مذكرات تفاهم في مجالات الطاقة والكهرباء والبترول والسياحة والقوى العاملة والاستثمار، بإجمالي استثمارات تبلغ نحو 2.2 مليار دولار.

المنتجات النفطية

ومن المقرر كذلك أن تشمل الاتفاقيات توفير السعودية احتياجات مصر من المنتجات النفطية لخمس سنوات، والاتفاق على مشروعات صناعية ضمن مشروع تنمية محور قناة السويس، ومشروعات في مجال النقل، والربط الكهربائي بين البلدين، إضافة إلى توقيع مذكرة تفاهم لتشجيع الاستثمارات السعودية في مصر، ضمن حزمة الاستثمارات التي أقرها الملك سلمان بقيمة 3 مليارات دولار.

كما تتضمن اتفاقا بين وزارة التعاون الدولي والصندوق السعودي بمبلغ 1.5 مليار دولار، لتنمية شبه جزيرة سيناء زراعيا وتعليميا وسكنيا، إضافة إلى الطرق والوحدات الصحية.

ولم تتوقف الرياض، بدورها، عن دعم القاهرة خلال الفترة الماضية، ففي أعقاب ثورة يناير 2011 قدمت السعودية حزمة مساعدات لمصر بقيمة 3.75 مليارات دولار، كما قدمت أوائل عام 2012، مساعدات عينية تمثلت في تأمين 1000 طن متري من غاز البترول المسال، وأعلنت في مايو 2012 توفير مساعدات بقيمة 500 مليون دولار، وبعد ثورة يونيو 2013 ضخت المملكة 5 مليارات دولار في شرايين الاقتصاد المصري، وأودعت في مارس 2014 نحو ملياري دولار لدى البنك المركزي المصري، إضافة إلى منح عينية قدمتها لمصر، تقدر بنحو 1.6 مليار دولار.

وتوالت ردود الفعل على الزيارة، حيث أكد مصدر رفيع المستوى لـ"الجريدة"، أن المملكة السعودية ستفرج عن عدد من المصريين المحبوسين في السجون السعودية بهذه المناسبة، بينما أوضح الكاتب الصحافي، عبدالله السناوي، أن الزيارة فرصة للمصارحة بالحقائق وتبديد الالتباسات لخلق تفاهمات متماسكة، قائلا لـ"الجريدة": "كلا البلدين يحتاج إلى الآخر، لمنع أي تصدعات إضافية في الموقف العربي"، في حين قال خبير الاقتصاد، مدحت نافع، إن السياق العام للزيارة اقتصادي في المقام الأول، وعول على أهمية الاتفاقيات الاقتصادية بين البلدين، إلا أنه طالب بضرورة أن تُهيئ الحكومة المصرية المناخ الاستثماري الملائم.

من جانبه، قال رئيس قسم الاقتصاد في جامعة الأزهر، صلاح الدين فهمي لـ"الجريدة" إن الاقتصاد المصري يمر بمرحلة حرجة، والنظام يحاول الاعتماد على التعاون العربي، وأكد "الزيارة محاولة للوصول إلى صياغة تواصل اقتصادي بين البلدين"، في حين أكد الخبير الاقتصادي عبدالناصر محمد أن الجانبين المصري والسعودي لديهما رغبة في تنمية الاستثمارات بينهما، إلا أنه لفت إلى أن المناخ الاستثماري في مصر لايزال يعاني.

ترسيم بحري

وقال مصدر مطلع إن تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية، يأتي على رأس مباحثات الرئيس السيسي والعاهل السعودي، وأوضح المصدر أن الترسيم الجديد يشمل جزيرتي "تيران وصنافير"، في خليج العقبة والبحر الأحمر، وأوضح المصدر الذي فضل عدم نشر اسمه، أنه تمت إثارة تبعية الجزيرتين خلال زيارة ولي ولي عهد المملكة، الأمير محمد بن سلمان في يوليو الماضي.

وللجزيرتين أهمية استراتيجية، لكونهما تتحكمان في حركة الملاحة من خليج العقبة، بينما تقع جزيرة "تيران" شمال البحر الأحمر، وتبلغ مساحتها 80 كيلومترا مربعا، على بعد 4 أميال شرق مدينة شرم الشيخ، وتخضع الجزيرتان للسيادة المصرية، وهما جزء من المنطقة "ج" المحددة في معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، وتطالب السعودية بسيادتها على الجزيرتين الاستراتيجيتين، والخلاف عليهما قديم، إلا أنه عقب العدوان الإسرائيلي على مصر، تم الاتفاق بين البلدين على وجود القوات المصرية بالجزيرتين، دون أن يخل ذلك بأي مطالبات لأي منهما.