يجب أن تقترن إذاعة الجلسات ببرامج توعية وتدريب للنواب والقائمين على التغطية الإعلامية، ولا يمكن أن تنجح إذاعة الجلسات «البرلمانية» في تحقيق أهدافها في تعزيز الممارسة الديمقراطية وتفعيل المشاركة العامة من دون أن يعرف الجمهور ماذا يفعل النواب وكيف يتصرفون.

Ad

تمثل قضية بث جلسات "البرلمان" على الهواء موضوعاً خلافياً في دول عربية عديدة، رغم أن تلك القضية حُسمت تقريباً في الديمقراطيات الغربية الراسخة.

وتنقل الصحف الكويتية آراء متباينة لخبراء وسياسيين حول إذاعة جلسات "البرلمان"، ويختلف هؤلاء إزاء تلك القضية؛ فيرى البعض أن الإذاعة على الهواء ضرورية، لتعميق الممارسة الديمقراطية، وإشراك الجمهور، وتمكينه من رصد ومتابعة أداء النواب، الذين انتخبهم لتمثيله والدفاع عن مصالحه.

ويعتقد البعض الآخر أنها مسألة سلبية، لأنها تدفع بعض النواب إلى ممارسات حادة، بهدف استقطاب عدسات المصورين، والحصول على اهتمام وسائل الإعلام، في إطار ما يُسمى بـ"المراهقة البرلمانية".

لكن هناك فريق ثالث يرى أن إذاعة جلسات "البرلمان" على الهواء مقبولة لكن بشروط تتضمن توعية النواب وتدريبهم، وتوعية الصحافيين ووسائل الإعلام بعدم التركيز على الممارسات الحادة، والاهتمام بالمعالجة الموضوعية للشؤون "البرلمانية" دون الإسراف في عرض المشاجرات والمهاترات.

وفي مصر يثور الجدل حول قرار مجلس النواب (البرلمان) بوقف بث جلساته على الهواء، بعدما أظهر البث الذي استمر ليومين، في الشهر الماضي، ممارسات حادة ومنفلتة من عدد من النواب، مما ألقى بظلال قاتمة على صورة الأعضاء، وزعزع ثقة الجمهور في المجلس عموماً.

ورغم أن الدستور المصري ينص بوضوح على علانية الجلسات "البرلمانية"، فإن بعض الخبراء القانونيين فرق بين مفهومي "العلانية" و"الإذاعة على الهواء".

واستناداً إلى ذلك، فإن قرار حظر بث الجلسات شهد اختلافاً بين خبراء القانون والدستور ورجال الأحزاب في مصر؛ إذ انقسم هؤلاء بين مؤيد للقرار ومعارض له، ودفع البعض بدستوريته، في ما رأى آخرون أنه غير دستوري وباطل.

وكما حصل الاختلاف في شأن إذاعة جلسات "البرلمان" على الهواء في الكويت حصل أيضاً في مصر، ويبدو أن عدداً من الدول العربية سيكون مطالباً بحسم تلك القضية في إطار الممارسة "البرلمانية" التي تتسع يوماً بعد يوم.

إن قضية إذاعة جلسات المجالس النيابية معقدة ومتشابكة، وفي معظم الأحيان تحكمها اعتبارات دستورية، وقانونية، وسياسية.

لكن يمكن القول إن الديمقراطيات الغربية استقرت على ضرورة إذاعة الجلسات "البرلمانية"، باعتبار أن الإذاعة أحد العناصر التي تستوفي العلانية والشفافية، والتي تعتبر بدورها إحدى ضمانات الممارسة الديمقراطية.

إن أكثر من 60 دولة في العالم حالياً تقوم ببث جلسات مجالسها النيابية على الهواء مباشرة، وتتيح هذه الجلسات على التفلزة والإذاعة العامة، كما تنقلها فورياً عبر مواقع إلكترونية تابعة لـ"البرلمانات".

يذيع مجلس العموم البريطاني جلساته على الهواء مباشرة عبر تلفزيون BBC Parliament، وهو الأمر الذي يحرص عليه أيضاً "البرلمان" الأميركي بمجلسيه (الشيوخ، والنواب)، و"البرلمان" الهولندي، الذي يبث جلساته على مدار الساعة، وكذلك "البرلمان" الكندي، بشقيه (الشيوخ، والعموم)، ومجلس الأمة التركي.

وعلى الصعيد العربي، فإن عدداً من "البرلمانات" الأحدث تكويناً في المنطقة يقوم ببث جلساته على الهواء مباشرة، أو عبر مواقع إلكترونية مخصصة لذلك؛ مثل "برلمانات" الأردن، والعراق.

وتبث "برلمانات" باكستان، وإسرائيل، ونيوزيلندا، والهند، وأستراليا جلساتها على الهواء، كما تتيح أنماطاً من التفاعل بين الجمهور وأمانات تلك المجالس، عبر مواقع إلكترونية مخصصة لذلك.

وفي 19 أكتوبر من عام 2006، نظم "الاتحاد البرلماني الدولي" مؤتمراً، بحضور 200 مشارك متخصص من 81 دولة من مناطق العالم المختلفة لمناقشة أثر إذاعة جلسات المجالس النيابية على الهواء في الممارسة الديمقراطية؛ وهو المؤتمر الذي اعتبر أن "إذاعة تلك الجلسات ينعكس إيجاباً على العملية السياسية، ويعزز مشاركة العموم في صنع السياسات والمساءلة والمتابعة والرقابة على السلطات، ويسهل على الجمهور اتخاذ قرارات تصويتيه صائبة".

ورأى المشاركون في مؤتمر "الاتحاد البرلماني الدولي" أن جزءاً من أهداف إذاعة جلسات المجالس النيابية على الهواء، وإتاحتها لأنماط التفاعل المناسبة من قبل الجمهور، يتصل بأهمية "التدريب والتربية الديمقراطية في المجتمع".

يوضح هؤلاء الخبراء أن نقل الممارسة البرلمانية على الهواء، وإتاحتها لطلاب المدارس والجامعات، أو للنساء غير العاملات، أو للمواطنين الأقل تعليماً، يمكن أن يكون تربية وتعليماً وتدريباً ديمقراطياً، ويمكن أن يساهم في تعزيز المشاركة العامة والمسؤولية المجتمعية.

وفي عام 2008، نشرت منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم والتربية (اليونسكو) بحثاً، خلص إلى ضرورة "بث جلسات البرلمان، وتشجيع الجمهور على متابعتها والتفاعل معها".

كما أشار البحث إلى أن نحو 60 دولة من دول العالم تذيع جلسات مجالسها النيابية على الهواء مباشرة، وأن هذا التوجه "يتسع يوماً بعد يوم"، باعتباره "جزءاً حيوياً من الديمقراطية".

ولفت البحث إلى بعض الممارسات التي اعتبرها "إيجابية" في هذا الصدد، خصوصاً ما تفعله كندا، التي خصصت موقعاً إلكترونياً فورياً، يُمكّن طلاب المدارس والجامعات من استعراض ممارسات النواب، تحت عنوان "يوم في حياة نائب".

يُمكّن مثل هذا الموقع الطلاب الكنديين من مصاحبة النواب في كل تفصيلات عملهم، ومعرفة المسؤوليات والالتزامات الواقعة عليهم، بل متابعة أدائهم لحظة بلحظة، وهو الأمر الذي يسهل لاحقاً على هؤلاء الطلاب القيام بالترشح لعضوية "البرلمان" وربما الفوز وممارسة المهام النيابية بفاعلية أكبر.

إن إذاعة جلسات المجالس النيابية على الهواء مسألة حيوية، وبثها عبر المواقع الإلكترونية الحية، وإتاحة أنماط التفاعل معها من شرائح المجتمع المختلفة ضرورة، لكن هذا الأمر يمكن أن تكون له عواقب سلبية، بعضها يتعلق بصرف اتجاه الجمهور عن القضايا الموضوعية المهمة، وبعضها الآخر يتصل بتشجيع بعض النواب على انتهاج سلوك حاد لجذب أنظار الإعلام.

ولذلك يجب أن تقترن إذاعة الجلسات ببرامج توعية وتدريب للنواب وللقائمين على التغطية الإعلامية، ولا يمكن أن تنجح إذاعة الجلسات "البرلمانية" في تحقيق أهدافها في تعزيز الممارسة الديمقراطية وتفعيل المشاركة العامة من دون أن يعرف الجمهور ماذا يفعل النواب وكيف يتصرفون، لكن هذا لن يحدث إلا من خلال تغطية إعلامية مسؤولة ومنضبطة، تركز على القضايا الحيوية والموضوعية، ولا تستهلك نفسها في نقل المهاترات والمشاجرات.

* كاتب مصري