ملاحظات سريعة على خصخصة الجمعيات التعاونية
قامت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بعملية خصخصة النشاط الأساسي في جمعية الدسمة وهو السوق المركزي، وذلك بعد أن ألزمت مجلس إدارة الجمعية بعقد جمعية عمومية غير عادية خلال فترة قصيرة من أجل طرح موضوع استثمار السوق المركزي من قِبل القطاع الخاص، وهو ما تم فعلا بتاريخ 17 فبراير الجاري. وفي ما يلي بعض الملاحظات السريعة على خصخصة الجمعيات التعاونية:1- خصخصة الجمعيات التعاونية الاستهلاكية التي مضى على إنشائها نصف قرن هي بداية تنفيذ سياسة القضاء على القطاع التعاوني، وذلك مع العلم أن الجمعية التعاونية ملك للمساهمين باعتبارها نشاطاً اجتماعياً عاماً لا يهدف إلى الربح المادي المباشر. إن تدخل الحكومة بهذا الشكل من أجل فرض سيطرة القطاع الخاص على الجمعية سيؤدي إلى القضاء على الدور الريادي الذي قام ويقوم به القطاع التعاوني، علاوة على أنه يعتبر خروجاً من الحكومة عن دورها الرقابي والإشرافي العام، وذلك بعد أن عجزت عن خصخصة الجمعيات بالكامل لتعارض ذلك مع قانوني الخصخصة والجمعيات التعاونية.
2- عدد الذين صوّتوا مع القرار المفاجئ لخصخصة السوق المركزي بجمعية الدسمة كما تريد الحكومة والقطاع الخاص هو (56) مساهماً فقط من أصل أكثر من خمسة آلاف مساهم، أي أقل من (1%) من العدد الإجمالي للمساهمين، وهي نسبة لا يعتدّ بها لاتخاذ قرار على درجة عالية من الأهمية، وذلك بصرف النظر عن اللائحة الداخلية أو قانون الجمعيات التعاونية اللذين يفترض ألا يسمحا باتخاذ قرار مصيري من شأنه المساس المباشر بحقوق المساهمين إلا بعد موافقة أغلبية خاصة في جمعية عمومية عادية، يتم التحضير لها والإعلان عنها خلال مدة زمنية كافية، يتم خلالها توضيح ما ينطوي عليه القرار المراد اتخاذه من إيجابيات وسلبيات. 3- عدد الجمعيات التعاونية الاستهلاكية يقارب (60) جمعية، لديها حجم مبيعات ضخم جداً نظرا لامتلاكها ما يقارب (650) منفذاً لمبيعات التجزئة والتسويق موزعة جغرافياً على جميع المناطق، إما كأسواق مركزية رئيسة أو كفروع صغيرة، لهذا فإن التوجه إلى خصخصتها كما حصل في جمعية الدسمة عن طريق السيطرة على نشاطها الرئيسي تحت ذريعة وجود فساد إداري ومالي في بعض مجالس إداراتها، يعتبر إدانة للحكومة التي فشلت في مراقبة أداء مجالس الإدارات الفاسدة، وهم قِلة إذا ما أخذنا في الاعتبار تاريخ الجمعيات المُشرّف وعددها، ثم إصلاح الإدارة ومحاسبة من تورط في عمليات فساد إداري ومالي. ليس ذلك فحسب بل إن فشل الحكومة في مراقبة أداء الجمعيات يطرح أمراً في منتهى الأهمية، يتعلق بإمكانية نجاحها في مراقبة أداء القطاع الخاص الذي يصيبه الفساد أحياناً كثيرة وهو فساد أشرس مما هو موجود في بعض الجمعيات، هذا ناهيك عن أنه يمتلك من الخبرة والوسائل التي تمكنه بسهولة من التهرب من الرقابة العامة ما يفوق بدرجات عالية قدرات وإمكانات مجالس إدارات الجمعيات التي فشلت الحكومة في مراقبتها وإصلاحها. أَضف إلى ذلك إمكانية الوقوع في فخ ما توضحه بعض تجارب الخصخصة في العالم من أنه يتم أحياناً كثيرة إهمال المؤسسات والشركات العامة والتعاونية عن عمد كي يستخدم فشلها الإداري والمالي لاحقاً كذريعة من أجل الإسراع في خصخصتها بشروط غير عادلة للدولة أو للمساهمين.4- من المعروف أن المستثمر الخاص لا يدخل في أي نشاط تجاري ليس له جدوى اقتصادية تضمن تحقيق أرباح مادية، وهذا معناه أن الأسواق المركزية في الجمعيات رابحة، وإلا لما حاول القطاع الخاص منذ إنشاء الجمعيات التعاونية السيطرة عليها بشتى الطرق، بالرغم من أن بإمكانه أن ينشئ ما يشاء من الأسواق المركزية التي تنافس الجمعيات التعاونية كتلك التي يمتلكها حالياً. لذا فالسؤال هنا هو: لماذا تتدخل الحكومة بطريقة تتعارض مع دورها ووظيفتها، من أجل فرض سيطرة القطاع الخاص على الأسواق المركزية فتحرم الجمعيات التعاونية، بالتالي، من أرباح مضمونة تحققها الآن كثير من الجمعيات بالرغم من الشروط غير العادلة (الإيجارات مثلاً) التي تفرضها عليها الحكومة مقارنة بتلك التي تفرضها على الشركات التجارية؟!5- خصخصة الأسواق المركزية في الجمعيات التعاونية الاستهلاكية ستؤدي إلى قيام الشركات الكبرى التي لا تدفع ضرائب على الأرباح المرتفعة، ولا توفر فرصاً وظيفية للمواطنين، باحتكار سوق تجارة التجزئة والتحكم في أسعار السلع وجودتها، فضلاً عن المشاكل الأخرى المترتبة على الخصخصة والتي لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فقط بل تشمل أيضا الجانبين الاجتماعي والسياسي.