العلاج في الخارج ومعاقبة المرضى

نشر في 29-02-2016
آخر تحديث 29-02-2016 | 00:00
 د. بدر الديحاني  تحوّل العلاج في الخارج، في أغلب الأحيان، من حق للمرضى الذين يعانون أمراضا مستعصية لا يتوافر علاجها المناسب في الداخل إلى وسيلة من وسائل شراء الولاء السياسي، أي أنه تحوّل بفعل فاعل إلى رشوة سياسية مُركّبة، وهو ما ترتب عليه حرمان بعض من يستحقون فعلاً العلاج في الخارج.

من المفترض أن تقتصر سياسة علاج المواطنين في الخارج على الذين يعانون أمراضاً خطيرة ومستعصية لا يتوافر علاجها في الداخل، والذين يفترض أن تتناقص أعدادهم تدريجيا على أساس أن الحكومة ستقوم ببناء مستشفيات حديثة مجهزة بأرقى المعدات الطبية، وتبتعث طلبة لدراسة الطب في أرقى الجامعات الأجنبية، علاوة على إمكاناتها المالية الضخمة التي تساعدها على الاستعانة بكبار الأطباء المتخصصين في العالم.

هذا هو المفترض، ولكن الواقع، مع الأسف، مغاير لذلك، حيث تحوّل العلاج في الخارج، في أغلب الأحيان، من حق للمرضى الذين يعانون أمراضا مستعصية لا يتوافر علاجها المناسب في الداخل إلى وسيلة من وسائل شراء الولاء السياسي، أي أنه تحوّل بفعل فاعل إلى رشوة سياسية مُركّبة (من الحكومة إلى العضو أو المرشح أو المتنفذ ثم إلى من ليس له حاجة ماسة بالعلاج في الخارج)، وهو ما ترتب عليه حرمان بعض من يستحقون فعلاً العلاج في الخارج، ناهيك عن ارتفاع التكلفة المالية التي تتحملها في النهاية الميزانية العامة للدولة التي تعاني حالياً، كما تصرح الحكومة، عجزا فعليا ستُحمّل تبعاته لأصحاب الدخول المنخفضة والمتوسطة الدُنيا.

ومع الحديث عما يُسمى "ترشيد الإنفاق" أو التوجه الاقتصادي النيوليبرالي فإن الحكومة تعاملت، كعادتها، مع أضعف حلقة فركّزت على النتيجة، وأهملت السبب بعد أن قامت فجأة بتخفيض المخصصات المالية التي يحصل عليها المرضى الذين يتلقون العلاج بالخارج ومرافقيهم، (معظمهم يتلقون العلاج في أميركا ودول أوروبا الغربية حيث ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل عام)، أي أنها عاقبت المرضى الذين يستحقون العلاج بالفعل فزادت من معاناتهم المالية والنفسية بدلاً من قيامها بمراجعة شاملة لسياسة العلاج في الخارج ثم إصلاحها، بحيث لا يحصل عليها إلا المستحق بالفعل، مع منع استخدامها كرشوة سياسية لمن يصفقون، على طول الخط، لسياسات الحكومة وقراراتها، إذ تضاعفت، كما تبين الإحصاءات الرسمية، الأعداد بشكل غير طبيعي في السنوات الأخيرة، وازداد، بالتالي، عدد الذين يندرجون تحت ما يُسمى إعلامياً "العلاج السياحي"، وهم الذين يذهبون للعلاج خلال فترة العطلة الصيفية، وهو الأمر الذي تسبب في زيادة التكلفة المالية المترتبة على العلاج في الخارج، والتي يكفي جزء منها فقط لإنشاء أرقى المستشفيات المجهّزة خلال فترة وجيزة، إذ يشير تقرير ديوان المحاسبة إلى أن "ميزانية العلاج في الخارج في السنة المالية (2104/ 2015) كانت (331) مليون دينار بزيادة قدرها (220) مليون دينار عن السنة المالية السابقة (2013/ 2014)، ذهب منها ما نسبته (62%) للذين ابتعثوا عن طريق نواب وشخصيات سياسية"!

back to top