المفارقة التي يثيرها فيلم {حرام الجسد} تأليف خالد الحجر وإخراجه أن العنوان بالإنكليزيةSins of the Flesh، الذي يعني {خطايا الجسد}، أكثر اتساقاً، وفهماً، وتبسيطاً، من العنوان العربي المتقعر، الذي يميل إلى التعقيد ويستهدف إضفاء إثارة زائفة على التجربة، التي أتصور أن تحفظ الرقابة على نصها الأصلي خصم من قيمتها وأهميتها وفرادتها. فالسيناريو المعترض عليه كان يُشير إلى علاقة محرمة بين الشقيق {علي} (أحمد عبد الله محمود) و«فاطمة} (ناهد السباعي) زوجة شقيقه {حسن} (محمود البزاوي) عقب هروب {علي} من السجن، بعد اقتحام السجون وتهريب المساجين في 29 يناير 2011. لكن اعتراض الرقابة وإصرارها على وضع ابن العم مكان الشقيق، وامتثال المخرج، ومعه المنتج غابي خوري، لفرمان الرقابة، أحال الفيلم إلى عمل سينمائي تقليدي يدور حول {الخيانة الزوجية} بعدما كان مُقدراً له أن يكون أول فيلم مصري عن ظاهرة {زنى المحارم}!

Ad

يّذكرك {حرام الجسد}، مع الفارق، بفيلم {امرأة في الطريق} (1958) تأليف عبد الحي أديب وإخراج عز الدين ذو الفقار. البيئة النائية واحدة في الفيلمين، وشبهة زنى المحارم قائمة في {امرأة في الطريق} بين المرأة اللعوب {لواحظ} (هدى سلطان) زوجة الابن الأصغر {حسنين} (حسن يوسف) وبين شقيقه {صابر} (رشدي أباظة)، وفي {حرام الجسد} بين الزوجة المحرومة {فاطمة} (ناهد السباعي) وابن عم الزوج {علي} (أحمد عبد الله محمود). لكن المقارنة تصب لصالح {امرأة في الطريق} على حساب {حرام الجسد}، الذي وصل مخرجه إلى مرتبة رفيعة من الإتقان على المستوى التقني (تصوير نيستور كالفو وموسيقى د. خالد داغر وملابس وديكور مونيا فتح الباب) في حين تراجع كثيراً على صعيد السيناريو والحوار، بعد أن أقحم {الثورة} على أحداث الفيلم فأفسده، وجعل منها تكئة لهروب {علي}، واقتحام حياة الزوجين، ومبرراً ملفقاً لإضفاء طابع سياسي على الفيلم، بينما دخل {حسن} (أحمد زكي) حياة النسوة في {الراعي والنساء}، كذلك الحال مع {سيد غزال} (محمود حميدة) في فيلم {رغبة متوحشة} (الفيلمان مأخوذان عن المسرحية الإيطالية {جريمة في جزيرة الماعز} لأغوبيتي) بشكل أكثر إقناعاً ومصداقية. فالزج بالسياسة والثورة، على لسان ابن رجل الأعمال، والاستعانة بنشرات الأخبار للإشارة إلى موقعة الجمل، وتنحي مبارك، أمور أضرت بالتجربة كثيراً، وكان بمقدور المؤلف / المخرج الإخلاص لما يعرفه (الفن)، والابتعاد بنفسه عما يجهله (السياسة)!

أبدع المخرج خالد الحجر في تصوير لحظات استيقاظ المشاعر المكبوتة للزوجة {فاطمة}، التي تعاني بسبب زوج عجز بعدما ضرب الشيب شعره وجسده عن ممارسة واجباته الزوجية، وتنتهز وصول ابن عمه لتستعيد علاقتهما العاطفية القديمة، التي كانت سبباً في اقتياده إلى السجن، لكنه أخطأ كثيراً في رسم شخصية المهندس {مراد} (زكي فطين عبد الوهاب) صاحب المزرعة النائية، فاعتياده هجر زوجته في الفراش، وتصفحه المجلات الجنسية، ومعاقرة الخمر، وحزنه على حبه القديم المجهض، ليست مبررات منطقية للانقلاب الذي اعتراه بحيث يتحول إلى ذئب بشري يغتصب {فاطمة} ويبتزها، بعدما اكتشف خيانتها مع {علي}، وتورطهما في قتل الزوج. هنا انقلب الجد إلى هزل وعبث، وفشلت محاولة إظهار {فاطمة} بوصفها ضحية، بينما شبح الزوج الذي طارد الزوجة قاد الفيلم إلى {اللاهوية}، بعد تأرجحه بين {الميثولوجيا} (الشبح) والرمزية (الثعبان ونباح الكلاب والعاصفة الرملية والطفل غير الشرعي) والواقعية (الخيانة والاغتصاب)!

نجح المخرج في توظيف النار والماء وأغنيتي {رق الحبيب} و«جددت حبك ليه؟}، وأضفى على الصورة نعومة، في حين اتسم الحوار بكثير من المباشرة والفجاجة، كقول الزوج لزوجته: {كان نفسي أبسطك}، والعشيق للزوجة: {يعني هي أول مرة تشوفيني عريان؟}، وبينما بدا المؤلف/ المخرج مؤمناً بأن {حرام الجسد} يستوجب {العقاب} و}عدالة السماء} أبقى، لسبب ما، على حياة {ابن النظام}، و}ابن الحرام}، وصور الزوجة {فاطمة} في ثوب العاهرة، وليست المحرومة فحسب، التي تهجر فراش زوجها كي تتلصص على العشيق وهو يستحم عارياً، وتعود من ممارسة حميمية مع رجل الأعمال لتواصل ما انقطع مع زوجها الثاني، وعندما يطالبها رجل الأعمال بإجهاض نفسها ترفض، وتتشبث بابن الحرام!

{حرام الجسد} فيلم احترق بنار الثورة، وساده اضطراب وارتباك في السيناريو والحوار لا يضاهيه سوى الأداء التمثيلي المتعثر، فعلى الرغم من اجتهاد محمود البزاوي، الذي يُذكرك بأداء عزت العلايلي في فيلم {المواطن مصري}، شاب أداء ناهد السباعي وأحمد عبد الله محمود الكثير من الافتعال، نتيجة قلة الخبرة، كما فشل زكي عبد الوهاب والوجهان الجديدان وئام مجدي وأحمد العدوي في ترك بصمة من أي نوع ما يعكس الخلل الكبير في قيادة {الحجر} لطاقم الممثلين!