The Road to (2) Character
في مقدمته المهمة للكتاب، يستأنف ديفيد بروكس القول بأنه قد فكّر ملياً في الفرق بين المعنيين: الفضائل المكتسَبة من خلال ممارسة أي عمل أو مهنة، والفضائل النفسية الأصيلة. ورأى أن الفضائل المهنية المكتسبة هي ما يثبته المرء في سيرته الوظيفية من مهارات تصلح لسوق العمل، وتساهم في النجاح الظاهري للشخص. أما الفضائل النفسية فهي أكثر عمقاً، إنها تلك التي يُشاد بها حين تأبين المرء بعد وفاته، والتي تشكل جوهر الذات الإنسانية، كأن يكون شجاعاً أو صدوقاً أو متصفاً بالإيمان والولاء، ومدى تمظهر هذه الفضائل في علاقاته الإنسانية.سيقول معظمنا، ولا شك، إن الفضائل النفسية أهم من الفضائل المهنية، ولكن ما نراه حقيقة هو أن نظامنا التعليمي يقوم على تعزيز الفضائل المهنية أكثر من النفسية، وكذلك يفعل الخطاب العام المتداول في الإعلام الصحفي والكتب الأكثر مبيعاً. وعليه فمعظمنا لديه خطط حول كيفية تحقيق نجاحات مهنية أكثر بكثير من التفكير في كيفية تطوير الجوهر الأصيل في شخصيتنا الإنسانية.
من المراجع التي أعانتني على التفكير في هذين اللونين من الفضائل، كتاب لجوزف سلوفيديتش، الذي ذكر فيه تفسيرين مختلفين لقصة خلق آدم على الأرض، ثم ناقش كيف أن هذين التفسيرين يشرحان الجانبين المتناقضين للطبيعة البشرية، وسماهما: آدم الأول وآدم الثاني. وبتفسير عصري للفكرة يمكننا القول بأن آدم الأول هو الإنسان المسكون بطموحاته الوظيفية وبنجاحاته الظاهرية. إنه آدم المشغول بالبناء والخلق والإنتاج واكتشاف الأشياء. وهو المسكون بهاجس المكانة والنفوذ وتحقيق الانتصارات. أما آدم الثاني فهو آدم الجوهر الذي يتطلع إلى تعزيز القيم الروحية، وإلى الغوص في الذات العميقة الساكنة العارفة لمقاييس الحق والباطل، ليس من أجل أن يفعل الخير فقط، بل من أجل أن يكون خيّراً بذاته. آدم الثاني يتوق إلى إشاعة الحب، وإلى إيثار الآخرين على نفسه في الخدمة العامة، وإلى العيش من أجل الحق في معانيه العليا، ويحترم في صميم روحه حكمة الخلق، وما تهيأ للإنسان من إمكانات وقدرات. وفي الوقت الذي تكون فيه غاية آدم الأول أن ينتصر على العالم، يستجيب آدم الثاني إلى نداء الواجب وخدمة العالم. وبينما يبدو آدم الأول مبدعاً وحافظاً لإنجازاته، فإن آدم الثاني يميل إلى التخلي عن المكانة والتنطّع من أجل هدف مقدس. وفي حين يستفسر آدم الأول عن كيف تعمل أنظمة الأشياء والظواهر، يسأل آدم الثاني عن سببية الوجود وغاية الخلق. وفي الوقت الذي يطمح فيه آدم الأول إلى الاندفاع إلى الأمام نحو التطور، يرغب آدم الثاني في العودة إلى الجذور ودفء الحضن الأول وروابط العائلة. وأخيراً إذا كان شعار آدم الأول (النجاح) أولاً وأخيراً، فإن آدم الثاني يعيش الحياة كدراما أو كمغزى أخلاقي وروحي، وشعاره الخدمة التطوعية والمحبة والتضحية. يناقش سلوفوديتش هذا الصراع المتناقض بين هذين الآدمين، آدم الخارجي المتبجّح الساحر، وآدم الداخلي المتواضع المتطلع للتصالح مع عالمه. وسيبقى الإنسان في هذا السجال المتناقض دائماً وإلى الأبد، وهو والحال هكذا مدعو إلى تفهّم دوره في هاتين الوظيفتين المتناقضتين، ومحاولة التأقلم مع ضغوطات هاتين الطبيعتين. ولعل الصعوبة في هذا التناقض تتمثل في حقيقة أن كلاً من الآدمين يعيش بمنطق مختلف عن الآخر. فآدم الأول – المبدع والمكتشف والمشغول بالبناء – يعيش بالمنطق النفعي المباشر، منطق الاقتصاد والصادر والوارد، والجهد وكيف يؤدي إلى الفائدة، والتدريب وكيف يصقل المهارة، والسعي نحو الكسب، وكيف تحسن قدراتك وكيف تبهر العالم، في حين يعيش آدم الثاني بمنطق عكسي، منطق أخلاقي لا اقتصادي، وكيف عليك أن تعطي لتأخذ، وعليك التسليم أمام ما هو خارج عن إرادتك لتربح قوة داخلية لنفسك، وعليك أن تهزم رغباتك لتحصل على ما تصبو إليه. وإلى الإيمان أن النجاح قد يقود إلى فشل عظيم يتمثل في الخيلاء، والفشل قد يقود إلى نجاح عظيم يتمثل في التواضع وتعلّم الدروس. وأن تحقق ذاتك عليك أن تتناسى تلك الذات، وحتى تجد ذاتك عليك أن تفقدها أولاً. وأخيراً لتنمية نجاحات آدم الأول فإنه من البدهي أن تغذي قواك، ولتنمية جوهرة الذات في آدم الثاني فإنه من الضروري أن تواجه ضعفك وهشاشتك.