مشكلة المعارضة الكويتية لم تكن يوماً سياسية، بل هي "ميكانيكية بحتة"، بكل بساطة "عداد سرعة" المعارضة معلق على "المقاطعة السلبية ", قولاً واحداً لا شريك آخر له في سوق السياسة وخياراتها المتنوعة.

Ad

بعيد عنكم بعد تحصين "الدستورية" للصوت الواحد حدث "شورت لا عقلاني" بسبب تماس "وايرات المنطق" داخل استراتيجيات المعارضة ليعلق عداد السرعة وتندفع بنا نحو الهاوية, اندفاع "وان واي" لم تعد "دواسة بنزين" المرونة السياسية تستجيب معه لمحاولات الواقع الحثيثة لتخفيف السرعة وتفادي انقلاب مسيرة المصالح الشعبية رأساً على عقب, ولاحظوا أنني قلت "المقاطعة السلبية" لا "الإيجابية", فالمقاطعة بعد إبطال مجلس فبراير, كانت إيجابية ومستحقة، والظروف حينئذٍ كانت تخدمها أيضاً وبدرجة خمس نجوم, المعارضة بعد الإبطال الأول نوعاً ما رغم اختلاف أطيافها كانت جسداً واحداً خرج من رحم إرادة شعبية هادرة يحركه رأس شارع وطني عنيد رافض لإلغاء إرادته, تجسد هذا الأمر في المقاطعة التاريخية الواسعة لانتخابات المجلس المبطل الثاني, وفي تجمعات ومسيرات المعارضة الضخمة وغير المسبوقة في تاريخنا الديمقراطي, الثمن وقتها كان من الممكن قبوله, والخصم وقتها "المبطل الثاني" كان من السهل مواجهته, والمعارضة وقتها كشكل تنظيمي كان من الممكن الاعتماد عليها.

 ولكن الأمر تغير بشكل جذري بعد تحصين الصوت الواحد, فبعيداً عن درجة قبولنا أو رفضنا عاطفياً لقرار "الدستورية", كان من الحصافة الاعتراف به والتعامل معه كأمر واقع له مبرراته الدستورية كما فعلت بعض التيارات السياسية, وفقاً لخيارات الوسائل السياسية التي تخدم مبدأ الغاية لا العكس, فأي خيار آخر حينئذٍ كان سيفضي إلى التصادم مباشرة مع القضاء وفتح جبهة استنزاف مكلفة جداً معه, وهي جبهة أفضت تالياً إلى التخلي كلياً عن "قلعة مجلس الأمة العتيدة "وخوض حرب مكشوفة بلا غطاء دستوري عبر السهول المفتوحة مع مؤسسات الدولة الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية, حرب خسرت فيها كتائب المعارضة غير المنظمة، رغم بسالتها، معاركها المعركة تلو الأخرى, بدءاً من "معركة الشارع" وانتهاء "بمعركة الشريط" مروراً بغزوة "دغدغة الشعور الشعبي", لتنسحب بعدها تجر شتاتها نحو تلال التويتر و"وديان التحلطم" لتخوض من هناك حرباً داخلية دموية يقودها الرموز والنخب والناشطون فيما بينهم حتى آخر "أمل شعبي", أمل شعبي كان غفر الله له يثق برؤية المعارضة وقدرتها على قراءة ما بين سطور الواقع! ليجد نفسه معرضاً للانقراض تحت ضغط صيد "الإحباط" الجائر!

الخلاصة هي مشكلة ميكانيكية لا سياسية، وعداد سرعة المعارضة سيبقي معلقاً مادامت لا تعقل واقعها، وسيبقى كذلك حتى تصطدم بجدار انتخابات 2017 الصلب, عندها "ستتفلش المقاطعة" إرباً إرباً وسنصحو يومها على فجر واقع سياسي سيئ تركناه للسيئين فزادوه سوءاً، وسيخرج علينا وقتها -وتذكروها جيداً - من قادنا إلى الهاوية من رموز المعارضة ونخبها، ليقول بعد إعلان ترشحه: سلامات... بحديد الوطن ولا بعبيد المصالح السياسية!