تعيش المنطقة أجواء استثنائية من القلق والتفكير في المستقبل، بسبب التداعيات المتوقعة بعد تطور الأحداث السورية، وسلوك إيران في المنطقة، والمخاطر التي قد تجرها كل تلك الأحداث على الإقليم، والكويت في قلب المخاطر بحكم موقعها، لذا فإن توحد الصف الداخلي وحفظ السلم والاستقرار الاجتماعي غايتان مهمتان، وأخطر ما يهددهما هو رزق الإنسان وقدرته على العيش بمستوى يليق بواقع بلاده وقدراتها المالية.

Ad

لذا فإن حديث "الأمواس"، الذي يستهدف دخل المواطن الكويتي ورزق أسرته، وانتشر مؤخراً في ردهات مجلس الأمة وقاعاته يجب أن يتوقف، لأن اللعب بالموس خطر في هذه المرحلة، وكذلك فإن انزلاق الموس وارتداده إلى يد حامله تكون جروحه مؤلمة وشديدة الخطورة!

الشارع الكويتي طلب فقط من حاملي "الأمواس" أن يحققوا العدالة والإنصاف بما يخص الإصلاح الاقتصادي ومعالجة العجز قبل أن يبدأوا مشاريع الحلاقة والسلخ، والمس بجيب المواطن العادي، وأن يسنوا إجراءات جدية وعادلة تجاه الفاسدين، ومن استفادوا ومازالوا بشكل كبير من ثروة البلد قبل القفز إلى إعادة تسعير شرائح الكهرباء والماء ورسوم البطاقة المدنية، والتي ربما تضاعف عدة مرات كلفة الحياة وفواتير متطلبات الحياة الأساسية، وخاصة فواتير الكهرباء في ظل ظروف مناخية صعبة بالكويت.

فهل من العدالة أن ترفض لجنة الشؤون التشريعية والقانونية البرلمانية اقتراحاً بقانون بفرض رسوم على التحويلات الخارجية سيوفر لخزانة الدولة من 900 مليون إلى مليار دينار في السنة، أي تقريباً ضعف ما يصرف على العلاج بالخارج، وتحفظ للكويت بعض المليارات التي تحولها العمالة الوافدة إلى خارج البلاد، فبالله عليكم بأي مسوغ وتبرير لمصالح البلد رفض هذا المقترح؟!

يحدثني صديق أنه باع عقاراً يمتلكه في بلد أوروبي مذهبه الرأسمالية وعقيدته الحرية الاقتصادية، وعندما قرر تحويل قيمة بيع العقار إلى الكويت اكتشف أنه خسر 12 في المئة من المبلغ كرسوم وضرائب لصالح البنك المحلي والبنك المركزي في ذلك البلد الأوروبي، وعندنا ترفض أي مقترحات لرسوم على التحويلات الخارجية تحت عنوان ممجوج باسم الحرية الاقتصادية، وفي الحقيقة هي الفوضى واستنزاف البلد وموارده لخدمة مصالح فئات محدودة.

نعم هناك طرق عديدة لمعالجة العجز، تحقق العدالة وتُوقف الهدر، ولكن الدولة لا ترى غير رواتب المواطنين وأسعار الكهرباء والماء والمواد التموينية، والمقارنة في هذا المجال مع المملكة العربية السعودية غير عادل، فالمملكة دولة كبيرة لها ظروف والتزامات مختلفة تماماً عن الكويت، كما أن جهات مالية واقتصادية تصف الكويت وقدراتها الاقتصادية بالممتازة والأقوى في المنطقة، ربما بسبب صغر مساحتها وقلة تعداد سكانها والاحتياطيات الضخمة التي راكمتها على مدى عقود من الزمن.

الحكومة في هذه الظروف الاستثنائية مصرة على رقم العجز الذي تعلنه، وترفض الكشف عن دخلها من الاستثمارات الخارجية، وكذلك ترفض اتخاذ إجراءات تتعلق بأسعار أملاك الدولة والضرائب على أصحاب الدخول العليا قبل رفع الدعومات، ومجلس الأمة عاجز عن اتخاذ مبادرة اقتراح إجراءات تحقق العدالة الاجتماعية، ويكتفي بأن يكون صدى لصوت الحكومة في هذا المجال، أو حتى أن يكون قدوة بمراجعة رواتب بعض موظفيه الذين يتقاضون رواتب تناهز الثمانية آلاف دينار شهرياً!